للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-زيادة على مذهب المالكيَّة- أن يكون الجلد من حيوان طاهر في الحياة، ومنعوا كذلك من استعمالها في الماء.

[المطلب الثالث: المسائل المستثناة من التوسع في الباب.]

من خلال ما تقدَّم ظهر بجلاء سعة الحنفيَّة دون غيرهم من المذاهب في باب الآنية، ومن خلال النظر في كتب الخلاف وفي كتب رؤوس المسائل لم أقف على مسألة خرجت عن هذا الأصل، والله تعالى أعلم.

[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]

من خلال ما تقدم يظهر واضحًا سعة الحنفيَّة في باب الآنية دون غيرهم من المذاهب، وهنا يقوم سؤال، وهو: هل ثمة سبب أو أسباب يمكن ردُّ الخلاف إليها؟

من خلال النظر في أدلة آحاد المسائل ظهر للباحث -والله أعلم- أنَّ الخلاف في باب الآنية يمكن رده إلى سببين تتفرع منهما عامَّة مسائل الباب:

السبب الأول: أن الحنفيَّة توسعوا من حيث الأصل في حكم الانتفاع بأجزاء الميتات، وسبب هذا التوسع أنهم علَّلوا الأحكام، وجعلوا نهي الشارع عن أعيان النجاسات إنما هو لعلة معقولة المعنى في الأصل، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، فقالوا تطهر جلود جميع الحيوانات بالدبغ؛ لأن العلة معقولة المعنى، وهي «نجاسة الجلد بما اتصل به من الدُّسُومات النجسة، والدبغ إزالة لتلك الدسومة» (١)، وقالوا: تحصُل طهارة الجلود بالتشميس والتتريب ونحوهما؛ لأنَّ العلة معقولة وهي تطهير


(١) المبسوط للسرخسي (٢٤/ ٢٣). وإنما استثني الخنزير عند الحنفيَّة؛ «لأنَّ نجاسته ليست لما فيه من الدم والرطوبة بل هو نجس العين، فكان وجود الدباغ في حقه والعدم بمنزلة واحدة، وقيل: إن جلده لا يحتمل الدباغ؛ لأن له جلودًا مترادفة، بعضها فوق بعض كما للآدمي»، قال ذلك الكاساني في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (١/ ٨٦).

<<  <   >  >>