بعد بيان المسائل المتقدمة ظهر بوضوح سعة المالكيَّة في باب القصاص في النفس في جميع ما تقدم من المسائل دون غيرهم من المذاهب، وعند استقراء المسائل الخلافيَّة في الباب يظهر ما يؤيد هذا المعنى أيضًا، وذلك:
• أن المالكيَّة قالوا: لا مدخل للنساء في العفو في القصاص في الجملة (١)، وقال الجمهور: إذا عفا أحد ورثة الميت رجلًا كان أو امرأة سقط القصاص (٢).
• وقال المالكيَّة: لو قال رجل لآخر: (اقتلني) أو (إن قتلتني أبرأتك) فقتله فإن القاتل لا يبرأ، ولولي الدم القصاص (٣)، وقال الجمهور: لا قصاص في ذلك (٤).
(١) المعونة على مذهب عالم المدينة (ص: ١٣١١)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٤/ ٢٥٦). وإنما قال الباحث في الجملة؛ لأنه ثمة تفريق عند المالكيَّة، ملخص ذلك: أنَّ النساء إذا كُنَّ في درجة الرجال نفسها فلا مدخل لهن في العفو، وأما إذا كان الرجال دونهن في العصبة كبنت القتيل وعمه فإن العفو لا يصح إلا باجتماعهما معًا. وهذا الحكم أيضًا دالٌّ على سعة المالكيَّة في إمضاء القصاص. انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل (٨/ ٣٧)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٤/ ٢٥٨). (٢) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ٢٤٢)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (٢/ ٦٢٧)، الأم للشافعي (٦/ ١٣)، الحاوي الكبير (١٢/ ١٠٠)، حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء (٧/ ٤٨٦)، الشرح الكبير على المقنع (٢٥/ ١٥٢)، شرح منتهى الإرادات (٣/ ٢٧٢). (٣) انظر: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (٦/ ٢٣٥)، شرح الخرشي على مختصر خليل (٨/ ٥). (٤) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ٢٣٦)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٥/ ١٩٠)، التهذيب في فقه الإمام الشافعي (٧/ ٧٠)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (٥/ ٢٢٤)، الفروع وتصحيح الفروع (٩/ ٣٦٤)، كشاف القناع (٥/ ٥١٨). تنبيه: يمكن أن يخرج على هذه المسألة ما يعرف في زماننا بالموت الرحيم إذا كان ذلك بطلب من المريض.