للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]

من خلال المسائل المتقدمة ظهر بجلاء سعة المالكيَّة في باب السَّلم مقارنة بغيرهم من المذاهب، وعند التأمل في أدلة المسائل يمكن القول:

إن الخلاف في جملة من مسائل باب السَّلم يعود إلى اختلاف المذاهب في باب الغرر، وقد تقدم في باب الغرر تقرير أن المالكيَّة هم أوسع المذاهب في الغرر، ولعل عامة مسائل الباب تصحُّ أن تكون مثالًا لذلك.

وأنبه إلى أن هذا السبب لم يجئ على كل مسائل السَّلم، فبعض المسائل قال المالكيَّة بالسعة فيها وليس دليلهم في ذلك انتفاء الغرر-كمسألة تأخير الثمن عن مجلس العقد-، وكذا الجمهور فربما ضيقوا في بعض المسائل لأدلة أخر غير وجود الغرر.

وإذا نظر الباحث في نصوص الأئمة يلمس حضور هذا المعنى:

فمن الحنفيَّة يقول الزيلعي في البيع إلى الحصاد والجداد: «لا يجوز البيع إلى هذه الآجال؛ لأنها تتقدم وتتأخر فتكون مجهولة» (١)، وقال أيضًا: «لا يجوز السَّلم في أطراف الحيوان كالرأس والأكارع للتفاوت الفاحش وعدم الضابط» (٢).

وقال شيخي زاده : «ولا يصح في الجوهر؛ لتفاوت آحاده» (٣). وهذا واضح في أن سبب المنع هو وجود الغرر.

ومن المالكيَّة: يقول القاضي عبد الوهاب : «يجوزُ السَّلم في الرؤوس


(١) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٤/ ٥٩). وانظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٩٦).
(٢) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١١٢).
(٣) مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (٢/ ٩٩) بتصرف يسير.

<<  <   >  >>