ويظهر في هذا الفرع أيضًا أنَّ الشافعيَّة أوسع المذاهب قولًا بالتحالف عند الاختلاف في كيفية العقود، وقد استدلوا على هذه المسألة بأدلة، منها:
الدليل الأول: عن ابن أبي مليكة ﵀: «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَخْرِزَانِ فِي بَيْتٍ أَوْ فِي الحُجْرَةِ، فَخَرَجَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ أُنْفِذَ بِإِشْفَى فِي كَفِّهَا، فَادَّعَتْ عَلَى الأُخْرَى، فَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ، ذَكِّرُوهَا بِاللَّهِ وَاقْرَءُوا عَلَيْهَا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٧٧]، فَذَكَّرُوهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: اليَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ». متفق عليه، واللفظ للبخاري (١). وبمعناه حديث وائل بن حجر ﵁ وقد تقدَّم ذكره قريبًا.
ووجه الدلالة من الحديثين: أنَّ كلًّا من الزوجين في محل النزاع مدعًى عليه، ولم يترجَّح قول أحدهما على الآخر، وتساويا في الإنكار فصير إلى التحالف؛ لأن اليمين تكون في جانب المدعى عليه كما في الحديث (٢).
الدليل الثاني: القياس على الاختلاف في البيع، فإنهما لو تداعيا دارًا في أيديهما ولم يترجَّح قول أحدهما تحالفا، فكذلك الحال في اختلاف الزوجين في الصداق إذا لم يترجح قول أحدهما (٣).
[الفرع الثالث: الاختلاف في عوض الكتابة.]
تحرير محل النزاع:
إذا اختلف السيد مع عبده في أصل الكتابة فإن القول قول السيد؛ لأنه منكر (٤)،
(١) تقدم تخريجه. (٢) انظر: الحاوي الكبير (٩/ ٤٩٤). (٣) انظر: بحر المذهب للروياني (٩/ ٤٧٤). (٤) انظر: المختصر الفقهي لابن عرفة (١٠/ ٤٠٤)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٤/ ٤٠٣)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (٨/ ٥٠٣)، العزيز شرح الوجيز (١٣/ ٥٣٠)، الشرح الكبير على المقنع (١٩/ ٣٩٩)، كشاف القناع (٤/ ٥٦٥). وهل يقبل قول السيد بيمينه أم لا؟ خلاف بين العلماء، فالجمهور قالوا: يقبل قوله بيمينه، وقال المالكيَّة: يقبل قوله بلا يمين. انظر: المصادر السابقة.