القول الأول: يجب القطع على المخرج فقط، وهو مذهب المالكيَّة والشافعيَّة (١).
القول الثاني: يجب القطع على كل من شارك، وهو مذهب الحنفيَّة والحنابلة (٢).
ويظهر هنا أيضًا أن الحنفيَّة صاروا إلى قول أضيق من قول المالكيَّة والشافعيَّة، وسبب قول الحنفيَّة بالقطع هو أن هذه السرقة فيها شبه للسرقة الكبرى -وهي قطع الطريق- ومعلوم أن القطع في قطع الطريق يكون لجماعتهم فهنا أيضًا، ثم لو قيل بعدم القطع لأدى ذلك إلى سد باب حد السرقة؛ لأنه جرت عادة السرّاق أن يتولى بعضهم إخراج المتاع، ويتولى آخرون الدفع (٣). وأنبه إلى أن الحنفيَّة ذكروا أن القياس عدم القطع، ولكن خالفوا القياس لما تقدم (٤).
[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]
من خلال ما تقدم بيانه يظهر أن الحنفيَّة هم أوسع المذاهب درءًا لحد السرقة، وعند التأمل في أدلة آحاد المسائل يمكن القول: إن عموم مسائل الخلاف في الباب يمكن ردها إلى تحقيق مناط قاعدة (الحدود تدرأ بالشبهات) فالجمهور -كما تقدم
(١) انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل (٨/ ٩٥)، منح الجليل شرح مختصر خليل (٩/ ٣٠٣)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (١٠/ ١٣٤)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (٧/ ٤٥٨). (٢) انظر: الهداية في شرح بداية المبتدي (٢/ ٣٦٨)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٤/ ٨٩)، المقنع في فقه الإمام أحمد (ص: ٤٤٢)، كشاف القناع (٦/ ١٣٣). (٣) انظر: فتح القدير (٥/ ٣٨٩)، البناية شرح الهداية (٧/ ٤٤). (٤) انظر المصادر السابقة. فائدة: معلوم أن زفر ﵀ أكثر الحنفيَّة طردًا للقياس، يقول ابن تيمية ﵀ في مجموع الفتاوى (٢٠/ ٣٠٨): «يقال في أصحاب أبي حنيفة: أبو يوسف أعلمهم بالحديث، وزفر أطردهم للقياس، والحسن بن زياد اللؤلؤي أكثرهم تفريعًا، ومحمد أعلمهم بالعربية والحساب»؛ ولذا قال في هذا الفرع بعدم القطع؛ لأنه القياس. وانظر أيضًا: حاشية ابن عابدين (٤/ ٨٩).