ذلك بمحضر من أصحاب رسول الله ﷺ ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد؛ فيكون إجماعًا (١).
[الفرع الثالث: حكم وقف المال المشاع.]
تحرير محل النزاع:
اختلفت المذاهب الأربعة في جواز وقف المال المشاع إن لم يمكن قسمته وهو خارج محل النزاع في هذا الفرع (٢)، واختلفوا كذلك في وقف ما يمكن قسمته على قولين.
الأقوال، وأشهر أدلة المضيق في المسألة:
القول الأول: المنع، وهو مذهب الحنفيَّة (٣).
(١) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٦/ ١٢٠). وتقدم تخريج ما جاء عن أبي بكر وعمر ﵄. (٢) قال الجمهور حتى الحنفيَّة بجواز وقف ما لا يمكن قسمته، لكن في مذهب المالكيَّة خلاف، فمنهم من قال بالجواز، ومنهم من منع، ونص الدردير على أن القولين مرجحان عند المالكيَّة، لكن نصَّ التوزري ﵀ في توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام (٤/ ٥) على أنه «لو كان شائعًا لا يقبل القسمة فإنه يجوز تحبيسه على القول المعمول به»، وهو بهذا يرجح الجواز. انظر: البناية شرح الهداية (٧/ ٤٣٢)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٥/ ٢١٣)، التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (٧/ ٢٧٩)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٤/ ٧٦)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (٥/ ٣٦٢)، كشاف القناع (٤/ ٢٤٣). وأما حكم وقف المسجد والمقبرة إذا لم يمكن قسمته فسيأتي ذكره في المسائل الشواهد. (٣) انظر: الاختيار لتعليل المختار (٣/ ٤٢)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٥/ ٢١٢)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٤/ ٣٤٨). وهنا تنبيهان: الأول: أن مذهب أبي حنيفة عدم لزوم الوقف أصالة إلا بحكم الحاكم، ومذهب أبي يوسف ومحمد بن الحسن: اللزوم بلا حكم. والفتوى عند الحنفيَّة على قول الصاحبين. والتنبيه الثاني: أنه اختلف الترجيح في مذهب الحنفيَّة بين قول أبي يوسف المجوز لوقف المشاع، ومحمد المانع منه؛ ولذا قال ابن عابدين: «إذا حكم الحنفي بما ذهب إليه أبو يوسف أو محمد لم يكن حاكمًا بخلاف مذهبه»، وعليه فيصح عند الحنفي الحكم بصحة الوقف وببطلانه؛ لاختلاف الترجيح عندهم في ذلك. وبالجملة فيبقى قولهم في المسألة أضيق من مذهب الجمهور القائلين بتصحيح وقف المشاع مطلقًا. انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٥/ ١٢٦)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٤/ ٣٦٢)، الفتاوى الهندية (٢/ ٣٦٥).