من خلال النظر في أدلة المذاهب في أعيان مسائل الشُّروط في العقود فإن الناظر يميل إلى وجود أسباب يمكن ردُّ عامة الخلاف في الباب إليها، وجماع هذه الأسباب -والله أعلم- ثلاثة:
الأول: تعارض العمومات في الباب، فقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]، وحديث «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»، وحديث:«أَحَقُّ الشُّروط أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» دالَّة بعمومها على صحة الشُّروط ولزوم الوفاء بها.
وحديث عائشة ﵂«كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ»(١)، وحديث عبد الله بن عمرو ﵄«أنَّ النبي ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»(٢) دالَّان
(١) هو جزء من حديث عائشة في قصة بريرة ﵂ وقد تقدم تخريجه. (٢) الحديث أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط (باب العين، من اسمه عبد الله/ عبد الله بن أيوب القربي) (٤/ ٣٣٥) رقم (٤٣٦١)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (ص: ١٢٨). وللحديث قصة، وهي أن عبد الوارث بن سعيد ﵀ قال: «قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة، قلت: ما تقول في رجل باع بيعًا وشرط شرطًا؟ قال: «البيع باطل، والشرط باطل»، ثم أتيت ابن أبي ليلى، فسألته، فقال: «البيع جائز، والشرط باطل»، ثم أتيت ابن شبرمة، فسألته، فقال: «البيع جائز، والشرط جائز»، فقلت: يا سبحان الله! ثلاثة من فقهاء العراق اختلفتم علي في مسألة واحدة. فأتيت أبا حنيفة، فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي ﷺ نهى عن بيع وشرط، البيع باطل، والشرط باطل، ثم أتيت ابن أبي ليلى، فأخبرته، فقال: لا أدري ما قالا، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أمرني رسول الله ﷺ أن أشتري بريرة، فأعتقها، البيع جائز، والشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة، فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا، حدثني مسعر بن كدام، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله قال: بعت النبي ﷺ ناقة وشرط لي حملانه إلى المدينة البيع جائز، والشرط جائز». والحديث استنكره الإمام أحمد، وضعَّفه كثير من أهل العلم؛ وذلك أن مدار الحديث على ابن زاذان وأبي حنيفة الإمام -رحمهما الله-، والأول: متروك، =