للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]

من خلال النظر في أدلة المذاهب في أعيان مسائل الشُّروط في العقود فإن الناظر يميل إلى وجود أسباب يمكن ردُّ عامة الخلاف في الباب إليها، وجماع هذه الأسباب -والله أعلم- ثلاثة:

الأول: تعارض العمومات في الباب، فقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]، وحديث «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»، وحديث: «أَحَقُّ الشُّروط أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» دالَّة بعمومها على صحة الشُّروط ولزوم الوفاء بها.

وحديث عائشة «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ» (١)، وحديث عبد الله بن عمرو «أنَّ النبي نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» (٢) دالَّان


(١) هو جزء من حديث عائشة في قصة بريرة وقد تقدم تخريجه.
(٢) الحديث أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط (باب العين، من اسمه عبد الله/ عبد الله بن أيوب القربي) (٤/ ٣٣٥) رقم (٤٣٦١)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (ص: ١٢٨). وللحديث قصة، وهي أن عبد الوارث بن سعيد قال: «قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، فسألت أبا حنيفة، قلت: ما تقول في رجل باع بيعًا وشرط شرطًا؟ قال: «البيع باطل، والشرط باطل»، ثم أتيت ابن أبي ليلى، فسألته، فقال: «البيع جائز، والشرط باطل»، ثم أتيت ابن شبرمة، فسألته، فقال: «البيع جائز، والشرط جائز»، فقلت: يا سبحان الله! ثلاثة من فقهاء العراق اختلفتم علي في مسألة واحدة. فأتيت أبا حنيفة، فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي نهى عن بيع وشرط، البيع باطل، والشرط باطل، ثم أتيت ابن أبي ليلى، فأخبرته، فقال: لا أدري ما قالا، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: أمرني رسول الله أن أشتري بريرة، فأعتقها، البيع جائز، والشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة، فأخبرته، فقال: ما أدري ما قالا، حدثني مسعر بن كدام، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله قال: بعت النبي ناقة وشرط لي حملانه إلى المدينة البيع جائز، والشرط جائز». والحديث استنكره الإمام أحمد، وضعَّفه كثير من أهل العلم؛ وذلك أن مدار الحديث على ابن زاذان وأبي حنيفة الإمام -رحمهما الله-، والأول: متروك، =

<<  <   >  >>