إذا نَظَر المتفقِّه إلى الأبواب الفقهيَّة يجد أنَّ الأبواب تحتوي على ثلاثة أنواع من المسائل (١):
النوع الأول: المسائل التي وقع فيها الإجماع بين العلماء ﵏، وهذه المسائل بمنزلة الرأس من الجسد، فالإجماع يجب المصير إليه ولا يُنسخ (٢)؛ «لأنَّه لا طريق إلى النَّسخ بعد انقطاع الوحي، ولا نصَّ يعارضه، ولا لنا إجماع يعارضه، بخلاف النص الذي يعارضه نص آخر؛ لاجتماع نصين في زمن واحد؛ لأن النصين يصدران عن عصر يجتمع فيه النصان، وهو عصر النبوة، ولأنَّ الأمة معصومة في اتفاقها عن أن تجمع على حكم ثبت فيه نص عن الله سبحانه أو عن رسوله بخلاف اتفاقهم»(٣).
وإن كان يجب على الفقيه أن يتنبَّه إلى أنَّ جملة من حكايات الإجماع فيها نظر من جهة ثبوتها، والمطالع إلى (نقد مراتب الإجماع) لتقيِّ الدِّين ابن تيمية ﵀ يرى أمثلة
(١) قسَّم البرهان ابن القيم ﵀ اختيارات شيخ الإسلام أربعة أقسام: (ما نسب أن اختيار الشيخ خالف الإجماع، وما هو خارج عن المذاهب الأربعة، وما خالف فيه الحنابلة ووافق فيه أحد المذاهب الأربعة، وما خالف فيه المشهور من المذهب). ويلحظ الناظر أنَّ البرهان ابن القيم جعل المسائل التي حكي فيها الإجماع في القسم الأول، ثم المسائل التي خالف فيها المذاهب الأربعة في القسم الثاني. وما ذاك إلا لأهمية هذين القسمين. انظر: اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية للبرهان ابن القيم (ص: ١٢١). (٢) انظر: الفوائد السنية في شرح الألفية (٤/ ١٨١٧)، التحبير شرح التحرير (٦/ ٣٠٦٣). (٣) الواضح في أصول الفقه (٢/ ٢٨) بتصرف يسير.