للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأشير في ختام هذا المطلب إلى أنَّ الناظر يَلْحظُ أنَّ أهل اللُّغة عَرَّفوا السَّعة بخلاف الضيق، ثم عرَّفوا الضِّيْق بخلاف السَّعة، وهذا فيه دَوْر (١)، ولعلَّ ذلك عائدٌ إلى وضوح المعنى من حيث أصل اللُّغة.

المطلب الثاني: المراد بالسَّعة والضِّيق في البحث.

بعد بيان الأصل اللغوي للسَّعة والضيق يقتضي الحال بيان المراد بهما في هذا البحث، لا سيما وأن استعمال الفقهاء لهذا المصطلح لم يستعمل إلى الحدِّ الذي أوجب عليهم وضع الحدِّ له، ويمكن القول: إن استعمال الباحث لمصطلح السَّعة والضيق يعود إلى معنًى أصلي وآخر فرعي:

أما المعنى الأول -وهو المعنى الأصلي-: فالمراد بالسَّعة: (التخفيف واليسر على المكلف)، والمراد بالضيق: (التشديد والأخذ بالأثقل عليه).

وهذا المعنى هو الذي يستعمله عامَّة الفقهاء في تضاعيف كتبهم، والقاعدة المتقدم ذكرها (إذا ضاق الأمر اتَّسع) يراد بها هذا المعنى، ولذا هي في حقيقتها فرعٌ من القاعدة الكبرى: (المشقة تجلب التيسير) (٢).


(١) الدور: «هو توقُّف الشيء على ما يتوقف عليه» قاله الجرجاني في التعريفات (ص: ١٠٥). وانظر في الكلام على أقسام الدور وبعض الأمثلة عليه: درء تعارض العقل والنقل (٣/ ١٤٣)، الرد على المنطقيين (ص: ٢٥٧)، إعلام الموقعين عن رب العالمين (٥/ ٢٠٣)، المنثور في القواعد الفقهية (٢/ ١٥٦).
(٢) قال السبكي في الأشباه والنظائر (١/ ٤٩): «القاعدة الثالثة: المشقة تجلب التيسير، وإن شئت قلت: إذا ضاق الأمر اتسع». وانظر أيضًا: الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: ٨٣)، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص: ٢٣٠).

<<  <   >  >>