للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: ثبوت الحد بهذه الشهادة، وهو مذهب الحنفيَّة والحنابلة (١).

ويظهر هنا أيضًا أنَّ الحنفيَّة صاروا إلى قول أضيق من قول المالكيَّة والشافعيَّة، وهو جارٍ على خلاف ما تقرر من سعتهم في الباب، واستدلوا على هذا القول بأنه يمكن حمل الشهادة على الصحة؛ وذلك لجواز أن يكون ابتداء الفعل وقع في زاوية من البيت، وانتهاؤه وقع في زاوية أخرى منه، وهذا على وجه الاستحسان، وإلا فالقياس لا يقتضيه (٢).

[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]

من خلال المسائل المتقدمة يظهر بجلاء سعة الحنفيَّة في درء حدِّ الزنى دون غيرهم من المذاهب، وعند النظر في أدلة المسائل المختلف فيها يمكن القول: إن عامة المسائل يمكن ردها إلى سبب واحد، وهو أن الحنفيَّة توسعوا في معنى الشبه التي يدرأ بها حد الزنى دون غيرهم من المذاهب (٣)، فجعلوا جملة من الأحوال شبهة يدرأ بها الحد، ونازع في ذلك الجمهور فلم يروها شبهة تنهض لدرء الحد.


(١) انظر: التجريد للقدوري (١١/ ٥٩٣٢)، النهر الفائق شرح كنز الدقائق (٣/ ١٤٥)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٤/ ٣٣)، العدة شرح العمدة (ص: ٥٩٩)، شرح منتهى الإرادات (٣/ ٣٥٠)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (٦/ ١٩١). فائدة: لما ذكر ابن القصار عدم قول الحنفيَّة بالقياس في باب الحدود أعقب ذلك بقوله: «على أن أصحاب أبي حنيفة قد ناقضوا في هذا الأصل، وعملوا في إيجاب الحدود بالمحتمل، فقالوا فيمن شهد عليه أربعة بالزنى في أربع زوايا: إنه يجب الحد» المقدمة في الأصول لابن القصار (ص: ٥٣).
(٢) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ٤٩)، العناية شرح الهداية (٥/ ٢٨٦).
(٣) نص ابن حزم على أن أكثر المذاهب استعمالًا لقاعدة درء الحدود بالشبهات هم الحنفيَّة. انظر: المحلى بالآثار (١٢/ ٥٧). لطيفة: ذكر الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (٢/ ١١٢) عن عبد الواحد بن زياد قوله: «قلت لزفر: صرتم حديثا في الناس وضحكة، قال: وما ذاك؟ قلت: تقولون في الأشياء كلها: ادرؤوا الحدود بالشبهات، ادرؤوا الحدود بالشبهات، فصرتم إلى أعظم الحدود فقلتم: يقام بالشبهات، قال: وما ذاك؟ قلت: قال رسول الله : (لا يقتل مؤمن بكافر) وقلتم: يقتل به، قال: إني أشهدك أني قد رجعت عنه الساعة». وفي هذا بيان لسعة الحنفية من وجه، وتوقير زفر للنص من وجه آخر.

<<  <   >  >>