ثم عند إمعان النظر إلى المذاهب الثلاثة يظهر لي أن مذهب الحنابلة أقرب إلى مذهب الحنفيَّة في القول بوجوب الزكاة في الخارج من الأرض من مذهب المالكيَّة والشافعيَّة، ووجه ذلك أنَّ الحنابلة وافقوا الحنفيَّة من حيث الجملة في وجوب الزكاة في العسل، وكذلك قال الحنابلة تجب الزكاة في كل مكيل ومدخر، وهم أقرب المذاهب في المسألة إلى قول الحنفيَّة.
[المطلب الثالث: المسائل المستثناة من الضيق في الباب.]
من خلال ما تقدم ظهر جليًّا أنَّ أضيق المذاهب قولًا بوجوب الزكاة في باب الخارج من الأرض هم الحنفيَّة، غير أنَّ للحنفية مسألة خرجت من حيث النظر العام عن ضيقهم في الباب، وهي مسألة: وجوب الزكاة في الأرض الخراجيَّة.
الفرع الأول: حكم الزكاة في الأرض الخراجيَّة.
تحرير محل النزاع:
اتفقت المذاهب الأربعة على أنَّ الأرض الخراجيّة يجب فيها الخراج إذا كان المالك لها من أهل الذمة (١)، واختلفوا في الأرض الخراجيَّة إذا انتقلت إلى مسلم هل تجب فيها الزكاة أم لا؟ على قولين:
القول الأول: وجوب الخراج إن سقاها بماء الخراج، أو العشر إن سقاها بماء العشر، أو بهما جميعًا. وهو مذهب الحنفيَّة (٢).
(١) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٢/ ٣٣٠)، التهذيب في اختصار المدونة (٣/ ٢٥٢)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (٩/ ٢٩٥)، كشَّاف القناع (٣/ ٩٤). (٢) انظر: التجريد للقدوري (٣/ ١٢٩٢)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ٥٧)، العناية شرح الهداية (٦/ ٤١). ويمثل لماء الخراج بالأنهار التي حفرتها العجم، وكذلك سيحون وجيحون ودجلة والفرات، ويمثل لماء العشر بماء الأمطار وماء الآبار والعيون. وضبط ابن عابدين الفرق بين الماءين فقال: «ماء الخراج ما كان للكفرة يد عليه ثم حويناه قهرًا، وما سواه عشري؛ لعدم ثبوت اليد عليه فلم يكن غنيمة». انظر: حاشية ابن عابدين (٢/ ٣٣٠).