ووجه الدلالة من الحديث: مفهوم المخالفة، من جهة أن «دم الكافر لا يكافئ دم المؤمن، وإذا لم يكافئه فالقصاص مرتفع»(١).
الدليل الثالث: أن الكافر الذمي يقاس على الكافر المستأمن والحربي، فإنه لا يجب القصاص فيهما باتفاق، والجامع في القياس هو: النقصان الواقع من أجل الكفر (٢).
[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]
من خلال المسائل المتقدمة يظهر بجلاء أن المالكيَّة هم أوسع المذاهب إمضاء لحكم القصاص، ولكن يقوم سؤال: هل ثمة سبب يمكن رد الباب إليه؟
للجواب عن هذا السؤال؛ لا بد من النظر في أدلة المالكيَّة في المسائل التي انفردوا فيها، ويظهر أن العموم أقوى مستمسك للمالكية في مسائل القصاص، ويمكن أن يقال: إن توسع المالكيَّة في عمومات أدلة القصاص هو الذي أدى بهم إلى السعة في الباب.
ولكن ثمة سبب آخر يظهر أنه أكثر اتِّجاهًا، يمكن بيانه من خلال مقدمتين:
المقدمة الأولى: أن القصاص إنما شرع في أصله سدًّا لذريعة القتل وصيانة للدماء، وقد جاء في الكتاب: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩]، والمراد:«أن سافكَ الدم إذا أُقيد منه ارتدع من كان يهمّ بالقتل»(٣)، وهذا هو معنى سدِّ
(١) المقدمات الممهدات (٣/ ٢٨١). وانظر أيضًا: المعونة على مذهب عالم المدينة (ص: ١٣٠٢)، التبصرة للخمي (١٣/ ٦٤١٠). (٢) انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (٢/ ٨١٢). (٣) التفسير البسيط للواحدي (٣/ ٥٤١). وانظر أيضًا: تفسير القرطبي (٢/ ٢٥٦)، تفسير ابن كثير (١/ ٤٩٢).