ويظهر لي -والعلم عند الله- أنَّ هذه المسألة لها تأثُّرٌ بمسألة ابتداء وقت الجمعة، فالحنابلة يرون أنَّ وقت الجمعة يبدأ من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح (٢)، وأما المالكيَّة والشافعيَّة فيرون أن وقت الجمعة هو وقت الظهر (٣)، وعليه: فلا يمكن أن يقول الحنابلة بجواز جمع العصر مع الجمعة؛ لأنه لو أجيز ذلك لقيل بجواز صلاة العصر قبل الزوال، ولا شك أنَّ هذا فيه بعدٌ ظاهر.
[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]
من خلال المسائل المتقدمة يظهر أنَّ الحنابلة أوسع المذاهب في باب الجمع بين الصلاتين، وكما تقدم فهذه السعة نص عليها تقي الدين ابن تيمية ﵀ إلا أنني لم أقف على بيان صريح منه للسبب في هذه السعة.
وعند النَّظر في أدلَّة المسائل يمكن استنتاج سبب جامع لسبب الاتساع أو الضيق في الباب، وذلك أنَّ الحنابلة رأوا أن أصل جواز الجمع إنما هو من المشقة، ثم إنهم أيضًا توسَّعوا في معنى المشقة، وهذا الاتساع نتج عنه القول بجواز الجمع في كثير
(١) انظر: شرح منتهى الإرادات (١/ ٣٠٩). تنبيه: استدل الشيخ محمد بن عثيمين ﵀ بحديث المطر يوم الجمعة وأن النبي ﷺ لم يجمع، ولو كان الجمع جائزا بين الجمعة والعصر لجمع النبي ﷺ، وهذا الدليل غير جارٍ على معتمد الحنابلة؛ لأنهم يمنعون الجمع بين الظهرين حال الإقامة أصلا. نعم الدليل جارٍ على طريقة من قال بجواز الجمع بين الظهرين في المطر وهو قول في المذهب، واختاره الشيخ ﵀. انظر: اللقاء الشهري لابن عثيمين، اللقاء رقم (٦١)، ومحل الكلام عند الدقيقة (١: ١٢: ٢٥). وانظر أيضًا: https:// binothaimeen.net/ content/ ١٣٨٧ (٢) انظر: الهداية على مذهب الإمام أحمد (ص: ١١١)، شرح منتهى الإرادات (١/ ٣١٢). (٣) نظر: الكافي في فقه أهل المدينة (١/ ٢٥٠)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (١/ ٣٧٢)، الحاوي الكبير (٢/ ٤٢٨)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (١/ ٥٤١).