ويظهر في هذا الفرع أنَّ الحنابلة أضيق من الشافعيَّة، وسبب قول الحنابلة بعدم
(١) انظر: غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى (١/ ٢٤٠)، كشَّاف القناع (٢/ ٢١)، شرح منتهى الإرادات (١/ ٣٠٩). وأمَّا المالكيَّة فلم أقف لهم على نصِّ صريح في هذه المسألة، وقد سألت بعض المختصِّين بمذهب مالك فلم أظفر بجواب، ثم وقفت على بحث للدكتور عبد الله الزير، فيه: «وأمَّا المالكيَّة فبعد بحث طويل فيما وقفت عليه من مصادرهم؛ لم أقف على قول صريح لهم في المسألة» انظر: الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر (دراسة فقهية مقارنة) (ص: ٥٨٤). وبالجملة: فالمسألة -مع أهميتها وكثرة السؤال عنها في زماننا- شحيحٌ ذكرها في كتب المذاهب، ولعل ذلك يرجع -والله أعلم- إلى أنَّ الجمعة غير واجبة أصلًا على المسافر؛ لأن النبي ﷺ وأصحابه ﵃ كانوا يسافرون في الحج وغيره، فلم يصلِّ أحد منهم الجمعة، بل وافق يوم عرفة في حجة الوداع يوم الجمعة فلم يجمع النبي ﷺ فيه مع اجتماع الخلق، وهذا لا نزاع فيه فقد علم حالهم بالضرورة. انظر: المغني لابن قدامة (٢/ ٢٥٠)، المبدع في شرح المقنع (٢/ ١٤٧)، حاشية الروض المربع (٢/ ٤٢٥). وقد يقال: إن الخلاف مردُّه إلى الخلاف في الجمعة هل هي ظهر مقصورة أم صلاة مستقلة؟ والراجح عند المالكيَّة أن الجمعة صلاة مستقلة، ولكن لم يتبيَّن لي صحة هذا التخريج، لا سيما وأنَّ المعتمد عند الشافعيَّة والحنابلة هو أن الجمعة صلاة مستقلة، ومع ذلك قال الشافعيَّة بجواز جمعها مع العصر، ومنع من ذلك الحنابلة. انظر: الذخيرة للقرافي (٢/ ٣٢٩)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (١/ ٥٣٦)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (٢/ ٢٨٤)، معونة أولي النهى (٢/ ٤٦٣)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (١/ ٧٥٥). وانظر في الكلام على القاعدة: الأشباه والنظائر لابن الملقن (١/ ٢٦٤)، القواعد للحصني (٤/ ٨٧)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: ١٦٢). والخلاصة أن كلا القولين متوجه في مذهب المالكيَّة، أما المنع فلأن الجمعة صلاة مستقلة وعليه فلا تجمع مع العصر؛ لأن الذي يجمع معها هي الظهر. وأما الجواز فلأن الجمعة كما قال الخرشي ﵀ (٢/ ٧٢): «شبه ظهر مقصورة»، ثم إن أول وقت الجمعة هو أول وقت الظهر وما دام أنَّ المالكيَّة لم يصرحوا بالمنع كما صنع الحنابلة فالأصل هو الجواز. وقد ذكر الاحتمالين د. عبد الله الزير. انظر: الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر (دراسة فقهية مقارنة) (ص: ٥٨٥).