ووجه الدلالة من الحديث: إقرار النبي ﷺ على الجعل الذي استحقوه بقراءة الصحابي ﵁ على سيِّد القوم (١)، قال الزركشي ﵀:«يستنبط من هذا الحديث جواز الجعالة على ما ينتفع به المريض من دواء أو رقية»(٢).
الأمر الثالث: شدَّة الحاجة إلى الجعالة؛ إذ قد يكون العمل مجهولًا فتتعذر الإجارة فيه، ولا يجد من يتبرع له (٣)، والقاعدة الفقهية: أنَّ «الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق آحاد الناس»(٤). وتقدَّم أنَّ الحاجة يجوز معها الغرر.
[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]
فيما تقدم من المطالب السابقة ظهر بجلاء ضيق الشافعيَّة في باب الغرر دون غيرهم من المذاهب، ومن خلال النظر في أدلة المسائل المتنازع عليها في الباب يمكن القول: إن سبب الخلاف بين الشافعيَّة والجمهور في الباب يرجع في حقيقته -والله أعلم- إلى سببين:
السبب الأول: ما يُعرف عند الأصوليين بتحقيق المناط، وهو: تحقيق العلة المتفق عليها -وهو الغرر المحرَّم هنا- في الفرع (٥).
(١) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة (ص: ١١١٤). (٢) نقل ذلك عنه الشربيني ﵀ في مغني المحتاج (٣/ ٦١٧). وانظر أيضًا: المغني لابن قدامة (٦/ ٩٤). (٣) انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (٧/ ٤٠٧). (٤) المنثور في القواعد الفقهية (٢/ ٢٤). وانظر أيضًا: الأشباه والنظائر لابن الملقن (٢/ ٣٢)، القواعد للحصني (١/ ٣٢٧). (٥) انظر: شرح تنقيح الفصول (ص ٣٨٩)، شرح مختصر الروضة (٣/ ٢٣٣)، شرح التلويح على التوضيح (٢/ ١٥٤)، البحر المحيط في أصول الفقه (٧/ ٣٢٤)، التحبير شرح التحرير (٧/ ٣٤٥٢). وللشاطبي ﵀ كلام حسن في تحقيق المناط إذا اشتبه، وصعوبة ذلك على الفقيه. انظر: الموافقات (٥/ ١٢ - ١٩).