للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الأول: أن الجعالة ثابتة في القرآن في قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ

بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٢]. وذكر إلكيا الهراسي أنَّ هذه الآية «أصلٌ في الجعالة» (١)، ونص على ذلك ابن عطية (٢)، وابن كثير -رحمهما الله- (٣).

الأمر الثاني: أن الجعالة ثابتة في السنة؛ وذلك أن أبا سعيد الخدري قال: «انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ، إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ. قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمُ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا» متفق عليه (٤).


(١) أحكام القرآن (٤/ ٢٣٣). وانظر أيضًا: المغني لابن قدامة (٦/ ٩٤)، تفسير القرطبي (٩/ ٢٣٢).
(٢) انظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٣/ ٢٦٤).
(٣) انظر: تفسير ابن كثير (٤/ ٤٠١).
(٤) أخرجه البخاري في (كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب) (٣/ ٩٢) رقم (٢٢٧٦)، ومسلم في (كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار) (٧/ ١٩) رقم (٢٢٠١). والمراد بقوله (وما به قَلَبَة) أي: ما به داء، وسُمّي الداء قلبة؛ لأنَّ صاحبه يُقَلَّب من أجله. انظر: أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (٢/ ١١٢٠)، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (٢/ ١٨٤).

<<  <   >  >>