ثم عند إمعان النظر في المذاهب الثلاثة يظهر التقارب الشديد بينها من حيث السعة والضيق في الباب.
[المطلب الثالث: المسائل المستثناة من الضيق في الباب.]
من خلال ما تقدم ظهر بجلاء ضيق الحنابلة في باب مواضع الصلاة دون بقيَّة المذاهب، وعند النظر في كتب الخلاف وكتب رؤوس المسائل لم أقف على مسألة خرجت عن هذا الأصل، والله تعالى أعلم.
[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]
بعد بيان ضيق الحنابلة في الباب دون غيرهم من المذاهب يبرز سؤال عن سبب هذا الضيق، ومن خلال النظر في أدلة مسائل الباب يمكن ردُّ الخلاف في الباب إلى سببين، هما: هل النهي الوارد تعبدي أم معلل؟ وهل النهي الوارد للتحريم أم للكراهة؟
فأما السبب الأول: فقد صار الجمهور إلى أن النهي معلل بعلة معقولة المعنى، وإن كان بين المذاهب -بل حتى في المذهب الواحد- اختلاف عريض في ذلك، لكن في الجملة العلة في المجزرة والمزبلة والحمام والحش هي: مظنة النجاسة، والعلة في المقبرة: سد ذريعة الشرك، أو مظنة النجاسة، والعلة في معاطن الإبل: الخشية من نفورها، أو كونها خلقت من الشياطين، أو مظنة النجاسة أيضًا، والعلة في قارعة الطريق: خشية النجاسة أو حصول الأذى للمارة أو منهم، ولهم تفاصيل