فهذه الأمور الثلاثة هي سبب استثناء الشافعيَّة المسألة من توسعهم في الباب، وأنبه إلى أن قول الشافعي ﵀ في القديم يوافق المالكيَّة في المسألة (١)، وهذا يبين أنَّ مذهبه القديم مطرد على أصله في التوسع في الباب.
وتجدر الإشارة في ختام هذا المطلب إلى وجود مسألتين أخريين ضيَّق فيهما الشافعي، وفيهما موسع من المذاهب، لكنهما ليستا من رؤوس المسائل في باب الإمامة؛ ولذا أعرضت عن ذكر سبب الاستثناء فيهما (٢)، ولم أقف على سوى ما تقدم مما شذ عن أصل الشافعي.
[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]
يحسن التنبيه قبل ذكر السبب الحامل على توسع الشافعي في باب الإمامة إلى وجود أدلة مفردة لكل مسألة، وقد تقدَّم شيء من ذلك في صلاة المفترض خلف المتنفل، والصلاة خلف المحدث، وإمامة الصبي، وهذه الأدلة بمجموعها أنتجت السعة عند الشافعيَّة في الباب، غير أنه -والله أعلم- ثمة سبب يمكن أن يقال: إنه أصل للشافعية تمسكوا به دون غيرهم من المذاهب أدى بهم إلى هذه السعة، وهو (انفكاك صلاة المأموم عن صلاة الإمام)، فالشافعيَّة -وإن كانوا يرون وجود الارتباط من حيث الأصل- يجعلون صلاة المأموم صلاة قائمة بذاتها، لا تتضمنها صلاة الإمام، وذهب الجمهور إلى أن صلاة الإمام متضمنة لصلاة المأموم، ومرتبطة بها.
(١) انظر: الحاوي الكبير (٢/ ٣٤١)، التعليقة للقاضي حسين (٢/ ١٠٤٨). (٢) هما: حكم الاقتداء بالإمام في الفضاء إذا كان بين الإمام والمأموم أكثر من ثلاثمئة ذراع، وحكم اقتداء المأموم بالإمام إذا كانا في بناءين، وبينهما حائل. فإن الشافعيَّة منعوا من صحة صلاة المأموم. انظر: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (١/ ٣٠١)، الحاوي الكبير (٢/ ٣٤٤)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (٢/ ٤٣٥)، المغني لابن قدامة (٢/ ١٥٢).