الدليل الثاني: عن الزهري ﵀ قال: «أُخذَ نبَّاش في زمان معاوية زمان كان مروان على المدينة، فسأل من كان بحضرته من أصحاب رسول الله ﷺ بالمدينة والفقهاء، فلم يجدوا أحدًا قطعه، قال: فأجمع رأيهم على أن يضربه ويطاف به». وجاء عن الزهري أيضًا:«أُتي مروان بن الحكم بقوم يختفون القبور - يعني ينبشون - فضربهم ونفاهم وأصحاب رسول الله ﷺ متوافرون» أخرجهما ابن أبي شيبة (١).
ووجه الدلالة من الأثر ظاهر.
الدليل الثالث: أنَّ القطع يدرأ بالشبهة، وقد تمكنت ها هنا الشُّبْهة في المال؛ لأنَّ المال يدخر والكفن إنما وضع للبلي، وتمكنت الشبهة في الحرز؛ لأن القبر لم يكن حرزًا لغير الكفن فلا يكون حرزًا له كذلك، وتمكنت الشبهة أيضًا في الملك؛ لأنه لا ملك للميت حقيقة ولا للوارث لتقدم حاجة الميت، ووجود واحدة من هذه الشبه تصلح لدرء الحد فكيف باجتماعها (٢).
الدليل الرابع: أنَّ النباش لا يدخل في حكم السرقة؛ لأن أهل اللغة أفردوا للنباش اسمًا يغاير اسم السارق؛ فدل ذلك على أن كل واحد من الأمرين لا يسمى بالآخر (٣).
[الفرع الرابع: المسائل الشواهد في الباب.]
بعد بيان المسائل المتقدمة ظهر بوضوح سعة الحنفيَّة في جميع ما تقدم من المسائل دون غيرهم من المذاهب، وعند استقراء المسائل الخلافيَّة في باب حد
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في (كتاب الحدود، ما جاء فِي النباش يؤخذ ما حده) (١٤/ ٤٨٦) رقم (٢٩٢٠٦، ٢٩٢٠٥). وإسناد اللفظ الثاني صحيح. انظر: ما صحَّ من آثار الصحابة في الفقه (٣/ ١٢٣٣). (٢) انظر: رؤوس المسائل للزمخشري (ص: ٤٩٣)، الهداية في شرح بداية المبتدي (٢/ ٣٦٥). وانظر أيضًا: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ٦٩). (٣) انظر: التجريد للقدوري (١١/ ٥٩٩٦).