للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجه الدلالة: أن هذا الأثر إما أن يكون مشتهرًا بين الصحابة ولم يخالفه غيره فهذا إجماع، وإما أن يكون غير مشتهر فهو قول صحابي لم يخالف غيره من الصحابة فكان أولى من القياس (١).

الدليل الثاني: أنَّ الشاهد في الزنى مخير بين أن يحتسب الأجر في الشهادة، أو يحتسب الأجر في الستر، «فالتَّأخير إن كان لاختيار الستر فالإقدام على الأداء بعد ذلك لضغينة هيجته أو لعداوة حرَّكته فَيُتَّهم فيها، وإن كان التأخير لا للستر يصير فاسقًا آثمًا؛ فتيقنا بالمانع» (٢)، وهذه شبهة يدرأ بها الحد (٣).

[الفرع الرابع: المسائل الشواهد في الباب.]

بعد بيان المسائل المتقدمة ظهر بوضوح سعة الحنفيَّة في درء حد الزنى في جميع ما تقدم من المسائل دون غيرهم من المذاهب، وعند استقراء المسائل الخلافيَّة في الباب يظهر ما يؤيد هذا المعنى بشِدَّة، وذلك:

• أن الحنفيَّة قالوا: إذا أقرَّ الرّجل أنه زنى بامرأة بعينها وأنكرت المرأة، أو عكس ذلك بأن تقر المرأة وينكر الرجل لم يحد الرجل ولا المرأة (٤)، وقال


(١) انظر: التجريد للقدوري (١١/ ٥٩٢٢)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ٤٦).
(٢) الهداية في شرح بداية المبتدي (٢/ ٣٤٩). وانظر أيضًا: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٣/ ١٨٨).
(٣) انظر: التجريد للقدوري (١١/ ٥٩٢٥).
(٤) انظر: درر الحكام شرح غرر الأحكام (٢/ ٦٧)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٤/ ٢٩). وأنبه إلى أن الحنفيَّة نصوا على أن الإقرار يصح على الزنى بمجهولة، ولكن لا تصح الشهادة إلا على رجل معلوم وامرأة معلومة. انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٣/ ١٨٩)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٤/ ٣٢). نكتة: اختلف قول متأخري الحنابلة في الشهادة على الزنى هل من شرطه ذكر الرجل والمرأة جميعًا أم لا؟ والمعتمد أن ذلك شرط. انظر: الإنصاف (٢٩/ ٢٧٩)، التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع (ص: ٤٩٥). والعجيب أنَّ الحجاوي اختلف قوله في الإقناع فقال في باب حد الزنى (٤/ ٢٥٦) لا يشترط، ونصُّه: «ولا يعتبر ذكر مكان الزنى ولا ذكر المزني بها إن كانت الشهادة على رجل، ولا ذكر الزاني إن كانت الشهادة على امرأة»، ثم قال في باب الشهادات (٤/ ٤٣٣) بالشرطيَّة، ونصه: «وإن شهد بزنى ذكر المزني بها وأين وكيف وفي أي زمان». وهذا الاختلاف من الحجاوي له أكثر من مثال، من ذلك ما قال في الإقناع وشرحه: «(ووطؤها) أي: الحائض (في الفرج ليس بكبيرة) لعدم انطباق تعريفها عليه، ويأتي في الشهادات أنه عنده من الكبائر». كشاف القناع (١/ ٢٠٠). والبهوتي ينبه على ذلك في بعض المواضع، وبالجملة فالموضوع جدير بالبحث والتحرير.

<<  <   >  >>