وسببُ قول الحنابلة بعدمِ الوجوب أنَّهم قاسوا هذه الشعور على اللحيةِ الكثيفة (١)، واللحيةُ الكثيفة لا يجب غسل باطنها اتفاقًا على ما تقدَّم، فلا يجبُ على ذلك غسل باطن الشعور الكثيفة من غير اللحية. يقول المرداوي ﵀:«شعر غير اللحية؛ كالحاجبين، والشارب، والعنفقة، ولحية المرأة؛ وغير ذلك، مثل اللحية في الحكم، على الصحيح من المذهب، وعليه الجمهور»(٢).
وإنما قال الشافعيَّة بالوجوب؛ لأنَّهم فرّقوا بين شعر اللحية وغيرها من شعور الوجه؛ إذ الغالب في هذه الشعور الخفة، والكثيف فيها نادر؛ فأُلحق النادر بالغالب (٣)، والحنابلة لم يُسلِّموا هذا المعنى؛ فلم يقولوا بالوجوب. قال ابن قدامة ﵀:«دعوى الندرة في الحاجبين والشارب والعنفقة، غير مسلم، بل العادة ذلك»(٤).
الفرع الثاني: حكم الدلك في الوضوء (٥).
اختلف العلماء في حكم دلك الأعضاء في الوضوء على قولين:
(١) انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (١/ ١٨٤)، كشَّاف القناع (١/ ٩٦). (٢) الإنصاف (١/ ٢٨٤). والمراد بقوله الجمهور: جمهور الحنابلة. وهذا مستفاد من طريقة تناوله للخلاف في الإنصاف، إذ الكتاب موضوع للخلاف داخل مذهب الحنابلة. ويستدل ابن قدامة في المغني (١/ ٨٧) على عدم وجوب غسل باطن هذه الشعور: بأن هذا» شعرٌ ساتر لما تحته، أشبه لحية الرجل». (٣) انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (١/ ١٧٣)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (١/ ١٦٩). (٤) المغني (١/ ٨٧). (٥) المراد بالدلك عند المالكيَّة: (إمرار باطن الكف على العضو). فلا يجزئ إمرار ظاهر الكف ولا غير اليد من الأعضاء. انظر: الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (١/ ٩٠)، منح الجليل شرح مختصر خليل (١/ ٨٢). ومما يلحق بهذه المسألة -والله أعلم- مسألة وجوب تخليل أصابع اليدين، فقال المالكيَّة بالوجوب، وقال الجمهور بالاستحباب. انظر: البناية شرح الهداية (١/ ٢٢٦)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (١/ ١١٧)، التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (١/ ١١١)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (١/ ٨٧)، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص: ٢٩)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (١/ ٢٣٤)، الشرح الكبير على المقنع (١/ ٢٨٦)، كشَّاف القناع (١/ ١٠٦). وإنما أوجب المالكيَّة التخليل في أصابع اليدين دون أصابع الرجلين؛ «لعدم شدَّة اتصال ما بينهما بخلاف أصابع الرجلين فأشبه ما بينهما الباطن؛ لشدة الاتصال فيما بينهما» انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل (١/ ١٢٦).