الأمر الثاني: أنَّ الجمع لم يرد عن النبي ﷺ إلا فعلًا في السفر الطويل (١)، «والفعل لا صيغة له، وإنما هو قضية في عين، فلا يثبت حكمها إلا في مثلها»(٢).
الأمر الثالث: أنَّ الجمع فيه تأخير للعبادة عن وقتها، فاختص هذا بالسفر الطويل قياسًا على الفطر للصائم (٣).
[الفرع الثالث: حكم الجمع بين الجمعة والعصر في السفر.]
تحرير محل النزاع:
تقدَّم أنَّ الحنفيَّة يمنعون الجمع في غير عرفة ومزدلفة مطلقًا، وأمَّا الجمهور القائلون بجواز الجمع في السفر فلا خلاف بينهم في جمع الظهر مع العصر بعذر السفر، لكن اختلفوا في حكم جمع صلاة الجمعة مع العصر للمسافر على قولين (٤).
الأقوال، وسبب الاستثناء في المسألة:
القول الأول: الجواز. وهو مذهب الشافعيَّة (٥).
(١) أحاديث جمع النبي ﷺ كثيرة، من ذلك حديث أنس، وابن عمر، ومعاذ ﵃. وكثير منها في الصحيحين، وتوسَّع في تخريجها ابن عبد الهادي -ومن قبله ابن الجوزي- في تنقيح التحقيق (٢/ ٥٣٤)، وابن الملقن في البدر المنير (٤/ ٥٥٦)، والزيلعي في نصب الراية (٢/ ١٨٣). (٢) المغني لابن قدامة (٢/ ٢٠٢). وانظر: الشرح الكبير على المقنع (٥/ ٨٨). (٣) انظر: الممتع في شرح المقنع لابن المنجى (١/ ٥١٢). (٤) أمَّا جمع الجمعة مع الظهر حال الإقامة بعذر المطر ونحوه فهو غير متصور على مذهب الحنابلة، ووجه ذلك: أن الحنابلة يمنعون أصلا الجمع بين الظهرين لأجل المطر، وقد تقدم ذكر المسألة في الفرع الأول من هذا المطلب. (٥) انظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب (١/ ٢٤٢)، فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان (ص: ٣٧٠). ونصَّ الخطيب الشربيني على جواز الجمع بين الجمعة والعصر لعذر المطر. انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (١/ ٥٣٤).