[المطلب الثالث: المسائل المستثناة من توسع الحنابلة في الباب.]
من خلال ما تقدَّم يظهر جليًّا أنَّ أوسع المذاهب في باب الشُّروط في العقود هم الحنابلة، إلا أنه من خلال النظر في كتب المذاهب المعتنية بفروع المسائل والنظر في رسائل بعض المعاصرين أيضًا تبيَّن للباحث وجود جملة من المسائل التي صار فيها الحنابلة إلى قول أضيق من أحد المذاهب، ومما وقفت عليه في ذلك: حكم شرط البراءة من العيب، وحكم البيع بشرط بيع آخر، وحكم اشتراط البائع ما فيه برٌّ للغير، وحكم اشتراط الأجل في القرض، وحكم اشتراط المرتهن منفعة في الرهن.
[الفرع الأول: حكم اشتراط البراءة من العيوب.]
إذا شرط البائع على المشتري البراءة من كل عيب أو من عيب كذا إن كان -سواءً علمه البائع أم جهله- كأن يبيعه السيارة على أنها (كومة حديد) ونحو ذلك (١) ففيه نزاع بين المذاهب، وقد اختلفوا في المسألة على أقوال.
الأقوال، وسبب الاستثناء في المسألة:
القول الأول: أن الشرط يصح ويبرأ مطلقًا، وهو مذهب الحنفيَّة (٢).
القول الثاني: أن الشرط يصح في البراءة من عيوب الحيوان الباطنة دون غيرها إذا لم يعلمها البائع، وهو مذهب الشافعيَّة (٣).
(١) قال ابن عابدين ﵀ في حاشيته (٥/ ٤٢) في شرط البراءة من العيوب: «منه ما تعورف في زماننا فيما إذا باع دارًا مثلًا فيقول: بعتك هذه الدار على أنها (كوم تراب)، وفي بيع الدابة يقول: (مكسرة محطمة)، وفي نحو الثوب يقول: (حراق على الزناد) ويريدون بذلك أنه مشتمل على جميع العيوب». (٢) انظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص (٣/ ٧٦)، فتح القدير (٦/ ٣٩٦). (٣) تكملة المجموع شرح المهذب للسبكي (١٢/ ٣٥٨)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (٤/ ٣٦١).