• وقال الحنابلة -وكذا المالكيَّة-: إذا أسر الكفار رجلًا مسلمًا واشترطوا عليه مالًا، فإن عجز رجع إليهم، لزمه الوفاء بالشرط (٢)، وقال الشافعيَّة: لا يجوز له الرجوع، ويستحب الوفاء إن لم يكن مكرهًا على الشرط (٣).
ثم عند النظر إلى المذاهب الثلاثة يظهر أنَّ المالكيَّة الأقرب من حيث السعة إلى الحنابلة، وهذا ظاهر فيما تقدَّم ذكره من مسائل، وفيما سيأتي ذكره في المستثنيات إن شاء الله، وأمَّا الشافعيَّة والحنفيَّة فهم أضيق المذاهب في الباب، غير أنَّ الشافعيَّة أكثر ضيقًا في الباب من الحنفيَّة؛ وذلك أنهم انفردوا عن المذاهب الثلاثة بالقول بفساد الشرط والعقد في بعض ما تقدم من المسائل.
(١) انظر: الجامع لمسائل المدونة (١٢/ ٥٩٩)، حاشية البناني على شرح الزرقاني (٥/ ٤٣١)، بداية المحتاج في شرح المنهاج (٢/ ١٥٠)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (٣/ ٨٢). (٢) انظر: النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات (٣/ ٣٢٣)، التاج والإكليل لمختصر خليل (٤/ ٦٠٨)، المبدع في شرح المقنع (٣/ ٣٥٨)، شرح منتهى الإرادات (١/ ٦٥٤). ونصَّ الحنابلة على أن المرأة لا ترجع. (٣) انظر: التهذيب في فقه الإمام الشافعي (٧/ ٤٨٦)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (١٠/ ٢٨٣). قال أبو المعالي الجويني ﵀ في نهاية المطلب (١٧/ ٥٤٠): «حكى الشافعي عن بعض السلف: أنه يجب عليه أحد الأمرين: إما العود إلى الأسر، وإما بذل المال، وقيل: هذا قول الشافعي في القديم. وهذا بعيد لا أصل له، ولم أره في غير تعليقنا، ولست أعده من المذهب». ولعل استبعاد الجويني لهذا القول لما علمه من أصول الشافعي ﵀ في باب الشروط، والله أعلم. وأنبه إلى أني لم أقف على قول للحنفية في المسألة.