القول الثاني: عدم جواز القصاص، وهو مذهب الجمهور (٢).
ويظهرُ في هذا الفرع أن الحنفيَّة توسعوا في أمر القصاص بخلاف الجمهور، وهذا جارٍ على خلاف ما تقرَّر من ضيقهم في الباب، وسبب قول الحنفيَّة في القصاص يعود إلى أنَّ طرف المسلم والكافر متساويان في الدية، فصار كالحر المسلم يعتدي على الحر المسلم فإنه يقتصُّ منه (٣).
[المطلب الرابع: سبب التوسع والضيق في الباب.]
من خلال المسائل المتقدمة يظهر ضيق الحنفيَّة في القصاص فيما دون النفس دون غيرهم من المذاهب، وعند النظر في أدلة المسائل يظهر أن سبب هذا الضيق
(١) انظر: مختصر القدوري (ص ١٨٥)، البناية شرح الهداية (١٣/ ١١٤)، الدر المختار وتكملة حاشية ابن عابدين (٦/ ٥٥٤). (٢) انظر: الذخيرة للقرافي (١٢/ ٣٢٤)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (٢/ ٣١٠)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (٨/ ٤٠١)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج وحاشية الشبراملسي (٧/ ٢٦٨)، الممتع في شرح المقنع (٤/ ٧٢)، كشاف القناع (٥/ ٥٤٧). تنبيه: حكى ابن عبد البر ﵀ الإجماع على عدم القصاص في جناية الكافر على المسلم فيما دون النفس، وفي هذا نظر لما تقدم من قول الحنفيَّة. انظر: الاستذكار (٨/ ١٢٤). (٣) انظر: البناية شرح الهداية (١٣/ ١١٤). وهنا تنبيهان: الأول: أن دية الكافر محل خلاف بين العلماء إلا أن الحنفيَّة ذهبوا إلى أن دية الكافر مثل دية المسلم، فاستقام عندهم الاستدلال في هذا الفرع. انظر: الحجة على أهل المدينة (٤/ ٣٢٢)، المبسوط للسرخسي (٢٦/ ٨٤)، الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار (ص: ٧١١). والتنبيه الثاني: أن جريان القصاص فيما دون النفس بين المسلم والكافر اطَّرد فيه الحنفيَّة، فقد تقدم في المبحث السابق أن الحنفيَّة انفردوا فقالوا بجريان القصاص في قتل المسلم للذمي، فهنا أيضًا قالوا بأن القصاص جارٍ بينهما فيما دون النفس.