للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إنه عند إمعان النظر إلى المذاهب الثلاثة يظهر -والله أعلم- أنَّ مذهب الشافعيَّة يقارب مذهب الحنفيَّة في السعة؛ وذلك أنهم -كما تقدم- قالوا بطهارة الحيوانات بالدبغ سوى الكلب، وإنما زاد عليهم الحنفيَّة بطهارة جلد الكلب، وكذلك في مسألة الضبة، فإن الحنفيَّة قالوا بالإباحة مطلقا، والشافعيَّة أقرب المذاهب إليهم فإنهم قالوا بإباحة ضبة الفضَّة للحاجة مطلقا، وقالوا بإباحة ضبة الفضَّة اليسيرة للزينة.

وأمَّا المالكيَّة والحنابلة فهم متقاربون في الضيق، فانفرد المالكيَّة بمنع الضبة مطلقا حتى لو كانت من يسير الفضَّة كما تقدَّم، وانفرد الحنابلة بقولهم: يحرم الإناء من النحاس ونحوه إذا طُلِي (١) بالذَّهب أو الفضَّة (٢)، وقال الجمهور: بالجواز (٣)، وتقدَّم أنَّ جلود الميتات لا تطهر بالدبغ مطلقا عند المالكيَّة والحنابلة، غير أنَّ الحنابلة ضيَّقوا في جواز استعمالها في اليابسات أكثر من المالكيَّة؛ إذ اشترطوا


(١) ويُسمَّى عند كثير من الفقهاء بالإناء المموه. انظر: البناية شرح الهداية (١٢/ ٧١)، كشَّاف القناع (١/ ٥١).
(٢) انظر: الفروع وتصحيح الفروع (١/ ١٠٨)، كشَّاف القناع (١/ ٥١).
(٣) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ١٣٣)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٦/ ٣٤٤)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (١/ ١٢٨)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (١/ ٦٤)، نهاية المطلب في دراية المذهب (١/ ٣٩)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (١/ ١٠٤). تنبيهان: الأول: التمويه إذا كان لا يخلص منه شيء فهو مباح بالإجماع عند الحنفيَّة، وعند المالكيَّة والشافعيَّة خلاف وإن كان المعتمد هو الجواز. وإنما نبهت على هذا لتكون المسألة بهذا الاعتبار شاهدًا على سعة الحنفيَّة. انظر: البناية شرح الهداية (١٢/ ٧٢). التنبيه الثاني: الإباحة عند الشافعيَّة بشرط ألا يخلص من التمويه شيء، فإن خلص من ذلك شيء حرم قطعًا، وكذا فالإباحة عند الشافعيَّة في الاستدامة، أمَّا فعل التمويه فحرام مطلقًا. انظر: بداية المحتاج في شرح المنهاج (١/ ١١٦)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (١/ ١٢٣).

<<  <   >  >>