فيما دون النفس يسلك به مسلك الأموال:«وعلى هذا الأصل قلنا يجري القصاص بين المسلم، والذمي فيما دون النفس؛ للمساواة بينهما في البدل»(١).
وأما السبب الثاني -وهو رعاية المماثلة حال القصاص- فقد نص عليه جملة من فقهاء الحنفيَّة: يقول الزيلعي ﵀: «القصاص يبنى على المماثلة، فكل ما أمكن رعاية المماثلة فيه يجب القصاص، وما لا فلا»(٢)، ثم ذكر جملة من المسائل التي انفرد بها الحنفيَّة -كعدم القصاص في اللسان والذكر-، واستدلَّ على عدم القصاص فيهما بأنَّهما «ينقبضان وينبسطان فلا يمكن اعتبار المماثلة فيهما»(٣).
واستصحب هذا الأصل الكاساني ﵀ في القصاص في ثدي المرأة وفي الخصيتين، فقال:«لم يذكر [أي: السمرقندي] حكم ثدي المرأة أنه هل يجب فيه القصاص أم لا؟ وكذا لم يذكر حكم الأنثيين في وجوب القصاص فيهما، وينبغي أن لا يجب القصاص فيهما؛ لأن كل ذلك ليس له مفصل معلوم فلا يمكن استيفاء المثل»(٤). وهذا التخريج من الكاساني حال عدم وجود النقل في غاية الوضوح على أنَّ الحنفيَّة يميلون إلى التشدد في رعاية المماثلة، بل هذه ثمرة من ثمرات معرفة اتجاه المذهب في الباب.
وأمَّا الجمهور فينازعون في هذا، ويذهبون إلى إمكان المماثلة في كثير من الصور؛ لكونها تنتهي إلى حد معلوم.
(١) المبسوط (٢٦/ ١٣٧). (٢) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٦/ ١١١). (٣) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٦/ ١١٢). (٤) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ٣٠٩).