والتنبيه الثاني: أنَّ بعض أهل العلم استعملوا السَّعة والضيق على هذا المعنى، من ذلك: قول ابن القيم: ﵀: «مذهب مالك، أضيق المذاهب في النفقات»(١)، وإنَّما صار مذهبه أضيق المذاهب لأنَّه قصر النفقة الواجبة على الأب فقط في والده الأدنى، وفي الولد الأدنى كذلك إلى البلوغ، فلا «يُجبر على نفقة ابن ابنه، ولا بنت ابنه وإن سفلا، ولا تجبر الأم على نفقة ابنها، وابنتها ولو كانا في غاية الحاجة، والأم في غاية الغنى، ولا تجب على أحد النفقة على ابن ابن، ولا جد، ولا أخ، ولا أخت، ولا عم، ولا عمة، ولا خال، ولا خالة، ولا أحد من الأقارب البتة سوى ما ذكرنا»(٢). ثم ذكر مذهب الشافعي ﵀ في أنها تجب على عمودي النسب وقال: ومذهب الشافعي أوسع من مذهب مالك، ثم ذكر مذهب أبي حنيفة في أنها تجب على كل ذي رحم محرم لذي رحمه، وقال: ومذهب أبي حنيفة أوسع من مذهب الشافعي (٣). والحاصل أنَّ ابن القيم استعمل السَّعة هنا على المعنى الثاني، وهو كثرة إثبات المذهب لفروع المسألة.
وكذلك استعمل هذا الاصطلاح ابن حجر الهيتمي ﵀ إذْ يقول:«ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظيم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام، وما زال أئمتنا على ذلك قديمًا وحديثًا بخلاف أئمة الحنفيَّة فإنهم توسَّعوا بالحكم بمكفرات كثيرة مع قبولها التأويل»(٤). وقال أيضًا في كلامه على ما يقع به التكفير: «من أراد تحقيق هذا المبحث وغيره من المكفرات فعليه بكتاب (الإعلام في قواطع الإسلام) فإني ذكرت فيه أكثر المكفِّرات على المذاهب الأربعة مع بيان ما يوافق
(١) زاد المعاد في هدي خير العباد (٥/ ٤٨٧). (٢) زاد المعاد في هدي خير العباد (٥/ ٤٨٦). (٣) المصدر السابق. (٤) تحفة المحتاج في شرح المنهاج (٩/ ٨٨). والمعنى الذي قرره ابن حجر ﵀ في الاحتياط في أمر التكفير في غاية الأهمية.