وهذا المعنى يُستعمل عند اختلاف المذاهب بين الوجوب وعدمه، أو التحريم وعدمه، أو الصحة والفساد، ونحو ذلك مما يمكن وصف أحد القولين بأنه مضيق بالنسبة إلى الآخر.
وأما المعنى الثاني -وهو المعنى الفرعي-: فالمراد بالسَّعة: (الاتساع في إثبات فروع الباب)، وعكسه الضيق، فالقول:(إن أوسع المذاهب في باب القصاص المالكيَّة) يراد به: اتساعهم في إثبات القصاص في المسائل المتنازع فيها، والقول:(إنَّ أضيق المذاهب في باب عيوب النكاح الحنفيَّة) يراد به: عدم الفسخ بالعيوب في النكاح.
وهذا المعنى له اتصال ظاهرٌ بالمعنى اللغوي، فالسَّعة في أصل اللُّغة -كما تقدَّم-: (كثرةُ أجزاء الشيء)، وهنا المذهب الموسع توسَّع في إثبات أجزاء الباب، والمذهب المضيق على الضدِّ من ذلك، وبالجملة فالمواضع التي استعمل الباحث فيها هذا الاصطلاح محدودة، هي:(باب التحالف عند الاختلاف في العقود، وباب عيوب النكاح، وباب القصاص في النفس، وباب القصاص فيما دون النفس).
وهنا تنبيهات:
الأول: أنَّ المعنى الفرعي إنما صير إليه لعدم تحقق المعنى الأول في الأبواب المشار إليها آنفًا، وسبب ذلك أنَّ السَّعة أو الضيق يتجاذَبُها كلا القولين، وجلُّ هذه الأبواب تكون في الخصومات بين المكلَّفين، فأحد القولين يكون واسعًا باعتبار أحد الطرفين وضيَّقا باعتبار الآخر، والقول الثاني على العكس من ذلك، ومثال ذلك: العيوب في النكاح، فمن أثبت العيب فهو واسع باعتبار من طلب الفسخ، ومن لم يثبته فهو واسع أيضًا باعتبار من ردَّ الفسخ من الزوجين؛ ولأجل هذا صير إلى المعنى اللغوي، وهو أن معنى السَّعة: كثرة إثبات العيوب في الباب.