للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمراد سلمة بالضِّيق: حصول المشقَّة والعنت، ومراده بالسَّعة: التخفيف والتَّيسير (١)، وذلك ظاهر في قصَّة الحديث.

ومن هذا المعنى أيضا أن رجلا ألَّف كتابا أسماه (كتاب الاختلاف)، فقال له الإمام أحمد : «سمَّه كتاب السَّعة» (٢)، ونقل ابن تيمية عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: «ما يسرني أن أصحاب رسول الله لم يختلفوا؛ لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالًا، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة» (٣).

وهنا قد يرد سؤال، وهو كيف يصحُّ أن ينسب إلى مذهب الضيق في باب مع أنَّ الأصل في الشريعة التَّيسير والسَّعة، والله تعالى يقول: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، ويقول: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، وعائشة تقول: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا» (٤)، والقواعد الفقهيَّة مقررة لهذا كـ (ـالمشقَّة تجلب التيسير) و (إذا ضاق الأمر اتَّسع)؟


(١) انظر: شرح سنن أبي داود لابن رسلان (٩/ ٦٨٢).
(٢) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (١/ ١١١). والرجل هو إسحاق بن بهلول، من أصحاب الإمام أحمد.
(٣) مجموع الفتاوى (٣٠/ ٨٠). وفي هذا المعنى يقول ابن قدامة عن أئمة الدين: «اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة» المغني (١/ ٤). وانظر أيضا: الفقيه والمتفقه (٢/ ١١٦، ١١٧).
(٤) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>