للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلاف عريض بين المذاهب في بعض الشُّروط هل هي مناقضة لمقتضى العقد فيقال بمنعها، أم لا فيقال بإباحتها؟

السبب الثالث: الآثار عن الصحابة التي تدل على إباحة بعض الشُّروط في العقود، والتي تعارضها عمومات تقتضي في ظاهرها منعها، فالحنابلة يميلون إلى إعمال هذه الآثار على ظاهرها، وأما الجمهور فإنهم في الجملة يصيرون إلى تأويل هذه الآثار أخذًا بتلك العمومات.

وثمة سبب رابع له تعلُّق بباب الشُّروط في العقود وهو اتساع المذاهب وضيقها في باب الغرر؛ وذلك أنَّ كثيرًا من الشُّروط التي يصطلح عليها المتعاقدون يشوبها شيء من غرر، وهنا تختلف المذاهب، فمنهم من يشدد في منعه كما هي طريقة الشافعيَّة، ومنهم ومن يتوسَّع في إباحته كما هي طريقة المالكيَّة، وبين المذهبين يأتي الحنفيَّة والحنابلة، ولكون باب الغرر قد تقدَّم بيانه في مبحث خاص فلا حاجة لإثقال هذا المبحث بنقل كلام الأئمة فيه، لكن أشير إلى أنَّ هذا السبب له أثر ظاهر في سعة المالكيَّة في باب الشُّروط في العقود.

وقد أشار إلى هذه الأسباب بعض العلماء، فأمَّا السبب الأول -وهو تعارض ظواهر العمومات في الباب- فقد قرره بعض الفقهاء:

فمن الحنفيَّة: يقول السرخسي في معرض جوابه على من استدل بحديث «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» على جواز شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام: «كما أن النبي قال: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فقد قال أيضًا: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ تعالى فَهُوَ بَاطِلٌ» (١). يريد بذلك أن الحديث الأول ليس على عمومه، وأنه


(١) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٤٢).

<<  <   >  >>