من الاستدلال أو بخبر الواحد، مع أن الاستدلال فاسد؛ لأن السفر والمطر لا أثر لهما في إباحة تفويت الصلاة عن وقتها، ألا ترى أنه لا يجوز الجمع بين الفجر والظهر مع ما ذكرتم من العذر؟ والجمع بعرفة ما كان لتعذر الجمع بين الوقوف والصلاة؛ لأن الصلاة لا تضاد الوقوف بعرفة، بل ثبت غير معقول المعنى بدليل الإجماع والتواتر عن النبي ﷺ فصلح معارضا للدليل المقطوع به، وكذا الجمع بمزدلفة غير معلول بالسير، ألا ترى أنه لا يفيد إباحة الجمع بين الفجر والظهر، وما روي من الحديث في خبر الآحاد فلا يقبل في معارضة الدليل المقطوع به، مع أنه غريب ورد في حادثة تعم بها البلوى، ومثله غير مقبول عندنا، ثم هو مؤول وتأويله أنه جمع بينهما فعلًا لا وقتًا» (١). وهذا الاستدلال من الكاساني ﵀ في غاية الظهور في تقرير سبب ضيق الحنفيَّة في الباب، وقريبًا من هذا المعنى قرَّر الزيلعي ﵀ في تبيين الحقائق (٢).
ومن المالكيَّة: يقول ابن رشد ﵀ بعد ذكر الخلاف في الجمع للمرض-: «السبب في اختلافهم: هو اختلافهم في تعدي علة الجمع في السفر: أعني: المشقة، فمن طرد العلة رأى أن هذا من باب الأولى والأحرى، وذلك أنَّ المشقة على المريض في إفراد الصلوات أشد منها على المسافر، ومن لم يعد هذه العلة وجعلها كما يقولون قاصرة -أي: خاصة بذلك الحكم دون غيره- لم يجز ذلك»(٣).
وأشار إلى تعدية العلة من عدمها الرجراجي ﵀(٤)، وأشار ابن بشير والقرافي -رحمهما الله- إلى معنى المشقة في جمع المرض (٥).
(١) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (١/ ١٢٧) بتصرف يسير. (٢) انظر: (١/ ٨٨). (٣) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (١/ ١٨٥). (٤) انظر: مناهج التحصيل ونتائج لطائف التأويل في شرح المدونة وحل مشكلاتها (١/ ٤١١). (٥) انظر: التنبيه على مبادئ التوجيه - قسم العبادات (٢/ ٥٣٢)، الذخيرة للقرافي (٢/ ٣٧٤).