درء الحد في باب المسكر، وعند استقراء المسائل الخلافيَّة في البابين يظهر ما يؤيد هذا المعنى أيضًا، وذلك:
• أن الحنفيَّة قالوا: لا حد في دُرْدِيِّ الخمر -وهو ما يثخن ويبقى في أسفل الإناء- (١) إذا لم يسكر وإن كان محرمًا (٢)، وقال الجمهور: هو بمنزلة الخمر يحد في قليله وكثيره (٣).
• وقال الحنفيَّة: لو أقر على نفسه بشرب الخمر أو شُهِدَ عليه بالشرب وقد زالت رائحة الخمر فلا حد (٤)، ولم يشترط الجمهور وجود الرائحة في الإقرار والشهادة (٥).
(١) ويسمَّى العَكَر أيضًا. انظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (٢/ ٤٧٠) مادة (درد)، النهاية في غريب الحديث والأثر (٢/ ١١٢)، لسان العرب (٣/ ١٦٦) (حرف الدال، فصل الدال). (٢) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ١١٣)، الدر المختار وتكملة حاشية ابن عابدين (٦/ ٤٥٧). (٣) انظر: المدونة (٤/ ٥٢٣)، البيان والتحصيل (١٦/ ٢٩٣)، روضة الطالبين وعمدة المفتين (١٠/ ١٦٩)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (٩/ ١٦٩)، العدة شرح العمدة (ص: ٤٨٥)، كشاف القناع (٦/ ١١٦). وأنبه إلى أني لم أقف على نص للحنابلة على هذه المسألة بعينها، ولكنهم ذكروا أن الحد يجب في الخمر وهو (ما أسكر من أيِّ شيء كان)، والدردي مسكر؛ فعلم من ذلك الحد في الدردي عندهم. (٤) ويستثنى من ذلك فيما لو أُخِذَ مَنْ شَرِبَ الخمر وريحها توجد منه، فلما وصل إلى الإمام انقطعت لبعد المسافة فإنه يحد. انظر: الاختيار لتعليل المختار (٤/ ٩٨)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٦٠٣)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٤/ ٤١) وهذا مبني على أن التقادم مسقط للحد، وقد تقدم الكلام على ذلك في حد الزنى. (٥) انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل (٨/ ١٠٩)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٤/ ٣٥٣)، الحاوي الكبير (١٣/ ٤٠٨)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (٩/ ١٧٢)، التذكرة في الفقه لابن عقيل (ص: ٣١٠)، كشاف القناع (٦/ ١١٨).