ويظهرُ في هذا الفرع أنَّ المالكيَّة صاروا إلى قول أضيق من قول الحنفيَّة، وسبب قولهم بعدم القصاص في غير الغيلة أدلة:
أما كون الحر لا يقتل بالعبد فاستدلوا على ذلك بأدلة، منها:
الدليل الأول: عن ابن عباس ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ» أخرجه الدارقطني (١).
ووجه الدلالة من الحديث: ظاهر، «وهو نص في موضع الخلاف»(٢).
الدليل الثاني: عن ابن عمرو ﵄ قال: «كان أبو بكر وعمر ﵄ لا يقتلان الرجل بعبده» أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة (٣). وقال الباجي ﵀: «الدليل على ما نقوله أن هذا إجماع الصحابة؛ لأنه مروي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عباس وابن الزبير
(١) أخرجه الدارقطني في (كتاب الحدود والديات وغيره) (٤/ ١٥٣) رقم (٣٢٥٢). وهو حديث ضعيف جدًّا؛ لأن مداره على عثمان بن بري يرويه عن جويبر وهما متروكان، وله علة ثالثة وهي أن الضحاك لم يسمع من ابن عباس. قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (٤/ ٤٦٧): «هذا الحديث لم يخرجوه، ولا يجوز الاحتجاج به؛ لأن الضحاك لم يسمع من ابن عباس- قاله النسائي وغيره-، ولأن جويبرًا متروك- قاله الدارقطني وغيره-، وعثمان بن مقسم البري كذبه يحيى وغيره». وانظر أيضًا: بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام (٣/ ١٣٩)، البدر المنير (٨/ ٣٦٨)، التلخيص الحبير (٤/ ٣٢). (٢) تهذيب المسالك في نصرة مذهب مالك (٣/ ٤١٧). وانظر أيضًا: الإشراف على نكت مسائل الخلاف (٢/ ٨١٣). (٣) أخرجه عبد الرزاق في (كتاب العقول، باب الحر يقتل العبد عمدًا)، (٩/ ٤٩١) رقم (١٨١٣٩) وابن أبي شيبة في (كتاب الديات، الرجل يقتل عبده من قَالَ لا يقتل به)، (١٤/ ١٩٥) رقم (٢٨٠٨٧). ومدار الأثر على حجاج بن أرطأة وفيه ضعف. انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٣/ ١٥٤)، الكامل في الضعفاء (٢/ ٥١٨)، تهذيب التهذيب (١/ ٣٥٦)، تقريب التهذيب (١/ ٢٢٢).