عفا ولي المقتول (١). ووجه ذلك: أن الغيلة من الفساد في الأرض، وقد أمر الله بالقتل والقطع والصلب على الإفساد في الأرض (٢).
ثم عند إمعان النظر إلى المذاهب الثلاثة يظهر بجلاء أنَّ الحنفيَّة هم أضيق المذاهب قولًا بالقصاص؛ وذلك أنهم انفردوا بجملة من المسائل قالوا فيها بعدم القصاص، من ذلك:
• أن الحنفيَّة قالوا: قتل العمد مختص بما يُفرِّق الأجزاء، أما ما لا يفرِّق الأجزاء كالحجر والعصا ونحوه، فهو شبه عمد لا قصاص فيه (٣)، وقال الجمهور: ما لا يفرق الأجزاء إذا كان يقتل غالبًا فهو عمد فيه القصاص (٤). وهذه المسألة مسألة عظيمة يتفرع عنها جملة من المسائل كالقتل بالإلقاء من شاهق، والقتل بالتجويع والعطش، والقتل بالخنق، والقتل بالتغريق، والقتل بتسليط سَبُعٍ أو عقرب، وغير ذلك كثير (٥).
(١) انظر: المقدمات الممهدات (٣/ ٢٨٧)، البيان والتحصيل (١٦/ ٣٧٣)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٤/ ٢٣٨). وأنبه إلى أن القضاء في بلادنا -المملكة العربية السعودية- جارٍ على مذهب المالكيَّة بل هو أوسع. انظر: ما جرى عليه العمل في محاكم التمييز على خلاف المذهب الحنبلي (ص: ٦٧٩). (٢) انظر: مختصر أبي مصعب الزهري (ص: ٤١١). (٣) انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٦/ ٩٧)، الدر المختار وتكملة حاشية ابن عابدين (٦/ ٥٢٧). (٤) انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني (٨/ ١٢)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٤/ ٢٤٢)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (٨/ ٣٧٦)، الشرح الكبير على المقنع (٢٥/ ١٠)، الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (٤/ ١٦٣). (٥) انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٦/ ١٠١)، الدر المختار وتكملة حاشية ابن عابدين (٦/ ٥٤٢، ٥٤٣).