معالجتها من وجه، ومن وجه آخر يمكن للرجل الفرقة من دون تفريق الحاكم بخلاف عيب الرجل المانع من الوطء، وأما سائر العيوب كالجنون والبرص والجذام فإنها لا تمنع من الوطء ولذا لا تخيير فيها.
وأمَّا الجمهور فإنهم أخذوا بالنُّصوص الواردة عن الصحابة ﵃ في الفسخ بعيوب النكاح، من ذلك ما جاء عن عمر ﵁ في التفريق بعيب الجنون والبرص والجذام (١)، وبالتفريق بعيب العنَّة (٢). ولكن اختلفوا في الزيادة على هذه العيوب الثلاثة:
فذهب الشافعيَّة إلى أن ما يفوت الوطء -بالمعنى العام- موجب للفسخ، وبذلك انحصرت العيوب عندهم بالسبعة: (الجب والعنة، والجنون والبرص والجذام،
(١) أخرجه مالك في (كتاب النكاح، ما جاء في الصداق والحباء) (٣/ ٧٥٢) رقم (١٩٢١). وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر ﵁، وسعيد لم يسمع من عمر على الصحيح، إلا أن كثيرًا من المحدثين قبلوا روايته عنه. حتى قال ابن القيم ﵀ في زاد المعاد (٥/ ١٦٦): «وردُّ هذا بأن ابن المسيب لم يسمع من عمر من باب الهذيان البارد المخالف لإجماع أهل الحديث قاطبة، قال الإمام أحمد: إذا لم يقبل سعيد بن المسيب عن عمر، فمن يقبل!». وقال أبو حاتم ﵀: «سعيد بن المسيب عن عمر مرسل يدخل في المسند على المجاز» المراسيل لابن أبي حاتم (ص: ٧١). وقال البيهقي ﵀: «ورُوِّينا عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنَّ ابن المسيب كان يُسمى راوية عمر؛ لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه». الخلافيات (٧/ ٥٧). وأسند يعقوب الفسوي ﵀ عن مالك أنه «سئل عن سعيد بن المسيب هل أدرك عمر؟ قال: لا. ولكنه ولد في زمان عمر فلما كبر أكب على المسألة عن شأنه وأمره حتى كأنه رآه. قال مالك: بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره» المعرفة والتاريخ (١/ ٤٦٨). وانظر أيضًا: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: (٤/ ٥٩)، تهذيب الكمال (١١/ ٦٦)، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (٤/ ٣٦٦)، البدر المنير (٧/ ٦٤٧). (٢) أخرجه عبد الرزاق في (كتاب النكاح، باب أجل العنين)، (٦/ ٢٥٣) رقم (١٠٧٢٠) وابن أبي شيبة في (كتاب النكاح، كم يؤجل العنين) (٩/ ١٦٥) رقم (١٦٧٥٢). وهو من رواية سعيد بن المسيب عن عمر ﵁ أيضًا، وتقدَّم الكلام على روايته عنه في الحاشية السابقة.