للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومحصل ما تقدم أن الجمهور يقولون: القبض شرط في البيع، ومع هذا جاز بيع المشاع باتفاق، فيلزم من ذلك جواز هبته ووقفه ورهنه ونحو ذلك؛ ولذا يلحظ الناظر استصحابهم لذكر جواز البيع فيما وقع فيه النزاع (١).

وقد ذهب كثير من علماء الحنفيَّة إلى ذكر الفرق بين بيع المشاع وسائر محال النزاع، ومن ذلك قول ابن نجيم في الفرق بين إجارة المشاع وبيعه: «المقصود من الإجارة الانتفاع والانتفاع بالمشاع لا يمكن ولا يتصور تسليمه بخلاف المبيع، فإن المقصود فيه الملك، ألا ترى أنه يجوز بيع الجحش ونحوه ولا يجوز إجارته، والتخلية اعتبرت تسليمًا في محل يتمكن من الانتفاع، وفي المشاع لا يتمكن من الانتفاع ولا من القبض فكيف يجعل تسليمًا؟!» (٢).

وقال الزيلعي في بيان الفرق بين هبة المشاع وبيعه: «القبض منصوص عليه في الهبة فيشترط وجوده على أكمل الوجوه كما في استقبال القبلة لمَّا كان منصوصًا عليه يشترط وجوده على الكمال حتى لو استقبل الحطيم لا تجوز صلاته مع أنه من البيت بالسنة، ولأن القبض ثبت مطلقًا، والمطلق يتناول الكامل، والكامل هو الموجود من كل وجه، والقبض في المشاع موجود من وجه دون وجه؛ لأنَّ القبض عبارة عن كون الشيء في حيز القابض، والمشاع ليس في حيزه من كل وجه؛ لأنه في حيزه من وجه، وفي حيز شريكه من وجه» (٣).


(١) وفي هذا المعنى يقول ابن حزم في «المحلى بالآثار (٨/ ٧):
لقد كان يلزم الحنفيين المحرمين رهن الجزء من المشاع، وهبة الجزء من المشاع، والصدقة بالجزء من المشاع، والإجارة للجزء المشاع: أن يمنعوا من بيع الجزء من المشاع؛ لأن العلة في كل ذلك واحدة، والقبض واجب في البيع كما هو في الهبة، والرهن، والصدقة والإجارة».
(٢) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٨/ ٢٤).
(٣) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٥/ ٩٣).

<<  <   >  >>