فمن يبحث في باب الغرر أو في باب الشُّروط في العقود لا بد أن يستصحب شدَّة التقاطع بين البابين.
والثاني: أنَّ تحرير المذاهب والإحاطة بمسائل الشُّروط في العقود من الإشكال بمكان؛ وذلك لشدّة تناثر المسائل في الأبواب من جهة، وشدة اختلاف المذاهب في الباب من جهة أخرى، بل إن المذهب الواحد يُلْحظ فيه الاختلاف العريض في مسائل الشُّروط في العقود، حتى إن ابن رشد ﵀ قال في مسائل الشُّروط في الصداق:«أما الشُّروط المقيدة بوضع من الصداق فإنه قد اختلف فيها المذهب اختلافًا كثيرًا - أعني: في لزومها، أو عدم لزومها -، وليس كتابنا هذا موضوعًا على الفروع»(١)، ويزداد الإشكال في الباب إذا نظر المطالع إلى أثر الشرط الفاسد في العقود هل يفسد به العقد أم لا؟ يقول ابن رشد أيضًا عن مذهب مالك في الشُّروط في البيع:«الشُّروط عنده تنقسم ثلاثة أقسام: شروط تبطل هي والبيع معًا، وشروط تجوز هي والبيع معًا، وشروط تبطل ويثبت البيع، وقد يُظن أن عنده قسمًا رابعًا، وهو أن من الشُّروط ما إن تمسك المشترط بشرطه بطل البيع، وإن تركه جاز البيع، وإعطاء فروق بيِّنة في مذهبه بين هذه الأصناف الأربعة عسير»(٢). وإذا كان هذا
(١) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (٣/ ٨٢). (٢) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (٣/ ١٧٨). ومثل هذا ما قاله المازري ﵀ في المعلم بفوائد مسلم (٢/ ٢٢٩): «يجب أن يعلم أن الشروط المقارنة للبيع لا تخلو من ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون من مقتضى العقد كالتسليم، وجواز التصرف في المبيع، وهذا لا خلاف في جواز اشتراطه … ، والثاني: أن لا تكون من مقتضاه ولكنها من مصلحته كالحميل والرهن واشتراط الخيار، فهذا أيضًا يجوز اشتراطه لأنه من مصلحته فأشبه ما كان من مقتضاه ولكنه إنما يقضى به مع الاشتراط وإن لم يشترط فلا يقضى به وبهذا يفارق القسم الأول. والثالث: أن تكون خارجة عن ذلك مما لا يجوز اشتراطه في العقود بأن يمنع من مقتضى العقد أو يوقع فيه غررًا، وغير ذلك من الوجوه الممنوعة. فهذا موضع اضطراب العلماء، ومسائل المذهب مضطربة فيه».