وأشير إلى مسألة هي من كبار المسائل ومشكلاتها (٢)، ألحقها بعض العلماء بباب الغرر (٣)، ويتضح فيها جليًّا ما تقدَّم من ضيقٍ للشافعية وسعةٍ للمالكية، وهي مسألة:(بيع ما لم يقبض)(٤)، فالشافعيَّة هم أضيق المذاهب في المسألة؛ إذ قالوا: لا يجوز بيع ما لم يقبض مطلقًا (٥)، وعكسهم المالكيَّة فهم أوسع المذاهب في المسألة؛ إذ قصروا المنع على بيع الطعام فقط (٦)، وأمَّا الحنفيَّة فهم أقرب للشافعية
(١) انظر: الأم للشافعي (٣/ ٦٦)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (٢/ ٣٦٢)، مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه (٦/ ٢٨١٩)، الإنصاف (١١/ ١١٤). (٢) يقول ابن تيمية ﵀ في معرض كلامه عن بيع ما لم يقبض: «لغموض مأخذ هذه المسائل كَثُر تنازع الفقهاء» انظر: مجموع الفتاوى (٢٩/ ٤٠٣). ولأهمية المسألة أفرد القرافي ﵀ الفرق الثامن والتسعين بعد المئة في الكلام على هذه المسألة. انظر: الفروق (٣/ ٢٧٩). (٣) يقول ابن تيمية ﵀: «البيع قبل قبضه لم يتم ملك المشتري عليه، بل هو يتعرض للآفات شرعًا وكونًا، فكان بيعها قبل القبض من جنس بيع الغرر» مجموع الفتاوى (٢٩/ ٤٠٢). وانظر أيضًا: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ١٨٠)، الاختيار لتعليل المختار (٢/ ٨). وذكر جمال الدين الريمي ﵀ هذه المسألة تحت باب الغرر. انظر: المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة (١/ ٤٤٤). وغير خافٍ أن للمسألة مناطات أخرى للتحريم، ليس هذا محل بيانها. (٤) أشار ابن تيمية ﵀ إلى توسعة مالك وأحمد في المسألة. انظر: مجموع الفتاوى (٢٩/ ٥٠٩). (٥) انظر: الأم للشافعي (٣/ ٧٠)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (٤/ ٨٤). (٦) انظر: التاج والإكليل لمختصر خليل (٦/ ٤٢٢)، الشرح الكبير للشيخ الدردير (٣/ ١٥١). وحتى يتضح مذهب المالكيَّة فإنَّ النهي هنا ليس سببه الغرر؛ لأنهم في غاية التوسع فيه، وإنما النهي في هذه المسألة تعبدي. كذا قالوا، وهذا من غريب الأسباب، والله أعلم. انظر: التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب (٥/ ٥٣٢)، حاشية الدسوقي (٣/ ١٥١). ولعله يحسن ذكر كلام الطاهر ابن عاشور ﵀ إذ يقول: «حقًّا على أئمة الفقه أن لا يساعدوا على وجود الأحكام التعبدية في تشريع المعاملات، وأن يوقنوا بأنَّ ما ادعي التعبد فيه منها إنما هو أحكام قد خفيت عللها أو دقَّت» مقاصد الشريعة الإسلامية (٣/ ١٥٥). وانظر أيضًا: الحكم التعبدي -دراسة أصولية تطبيقية- (ص: ٣٧١).