هذا من أجل عدم الإطالة، ومحاولة الاختصار قدر الطاقة والإمكان، وعدم الخروج عن صلب البحث وهو بيان السعة والضيق في الباب.
أولًا: المسائل المجمع عليها في الباب.
أجمع العلماء ﵏ على تحريم الغرر في الجملة (١)، وأجمعوا على أنَّ الغرر اليسير جائز وغير مؤثر في العقود (٢)، وعلى أنَّ الغرر التابع جائز وغير مؤثر في العقود (٣)، وعلى أنَّ الغرر إذا دعت إليه الحاجة جائز وغير مؤثر في العقود كذلك (٤)، وأجمعوا
(١) حكى كثير من العلماء الإجماع على تحريم الغرر الكثير غير التابع أو المحتاج إليه، ومنهم: ابن عبد البر، وابن العربي، والنووي، والقرافي، والشوكاني ﵏. ومثال الغرر المحرم: بيع ما في بطون الأجنة، والمنابذة، والملامسة. انظر: الاستذكار (٧/ ٤٠٩)، المسالك في شرح موطأ مالك (٦/ ١٤٩)، شرح النووي على مسلم (١٠/ ١٥٦)، الذخيرة للقرافي (٥/ ١٩١)، نيل الأوطار (٥/ ١٧٧). وروى ابن أبي شيبة في مصنفه (١٠/ ٦٠٩) (٢٠٨٩٣، ٢٠٨٩٧) عن ابن سيرين وشريح -رحمهما الله- جواز الغرر مطلقًا، وروى ذلك الطبري بإسناد صحيح كما قاله ابن حجر. قال ابن بطال ﵀ في شرح صحيح البخاري (٦/ ٢٧٢): «يمكن أن يكون ابن سيرين ومن أجاز بيع الغرر لم يبلغهم نهي النبي ﵇ عن ذلك، ولا حجة لأحد خالف السنة». انظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح (١٤/ ٣٦٦)، فتح الباري لابن حجر (٤/ ٣٥٧). (٢) انظر: شرح النووي على مسلم (١٠/ ١٥٦)، طرح التثريب في شرح التقريب (٦/ ١٠٥). ومثال ذلك: بيع الدار وإن لم ير أساسها، والأجرة على دخول الحمام، وإجارة الدار شهرًا مع احتمال تمام الشهر واحتمال نقصانه. وانظر أيضًا: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي (ص: ٥٧٨). قال الشاطبي ﵀ في الموافقات (٢/ ٢٦): «أصل البيع ضروري، ومنع الغرر والجهالة مكمل، فلو اشترط نفي الغرر جملة لانحسم باب البيع». (٣) انظر: المجموع شرح المهذب (٩/ ٣٢٦). ومثال ذلك ما ذكره ابن قدامة ﵀ في المغني (٤/ ٥٨) إذ يقول: «يجوز في التابع من الغرر ما لا يجوز في المتبوع؛ كبيع اللبن في الضرع مع الشاة، والحمل مع الأم، والسقوف في الدار، وأساسات الحيطان، تدخل تبعًا في البيع، ولا تضر جهالتها، ولا تجوز مفردة». (٤) انظر: المجموع شرح المهذب (٩/ ٢٥٨)، مجموع الفتاوى (١٤/ ٤٧١، ٢٠/ ٣٤٦، ٢٩/ ٢٥، ٤٨، ٢٢٧)، القواعد النورانية (ص: ١٧٢). ومثل النووي وابن تيمية -رحمهما الله- على الغرر الذي تدعو إليه الحاجة بأساس الدار وبشراء الحامل ونحوهما، وهذا في حقيقته غرر تابع أو غرر يسير. وقد تنبَّه أ. د. الصديق الضرير ﵀ لهذا المعنى فقال: «يلاحظ أن الأمثلة التي ذكرها النووي وابن تيمية قد أوردت بعضها في أمثلة الغرر اليسير، وبعضها في أمثلة الغرر التابع»، ثم قال: «ما جاز للحاجة ينبغي أن يمثل له بغير ما جاز لقلة الغرر أو للتبعية لئلا يلزم التداخل، وإن كانت متحققة في حالة الغرر اليسير والتابع». انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي (ص: ٦٠٣) الحاشية (٢). ومثل ابن تيمية ﵀ في موضع آخر على الغرر الجائز بسبب الحاجة ببيع المجازفة. انظر: مجموع الفتاوى (٣٢/ ٢٣٦). ويصحُّ أن يمثَّل للغرر الكثير الأصلي الذي أبيح لأجل الحاجة بعقد الإجارة؛ ولذا ردَّ ابن قدامة ﵀ قول من حرّم الإجارة لأجل الغرر -وهو قول شاذ قال به الأصم وابن علية -رحمهما الله- بقوله: «ما ذكره من الغرر، لا يلتفت إليه، مع ما ذكرنا من الحاجة» المغني (٥/ ٣٢٢).