للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لصيرورتهم حربيِّين» (١).

الدليل الثاني: عن عائشة قالت: «سُحِرَ النَّبِيُّ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي، أَتَانِي رَجُلَانِ: فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ … » متفق عليه (٢).

ووجه الدلالة: أن من سحر النبي فعل ما هو أشد من السب، ومع ذلك لم ينتقض عهده بذلك (٣).


(١) فتح القدير (٦/ ٦٢). ثم اعترض على استدلال الحنفيَّة بالحديث، فقال: «أما اليهود المذكورون في حديث عائشة فلم يكونوا أهل ذمة بمعنى إعطائهم الجزية، بل كانوا أصحاب موادعة بلا مال يؤخذ منهم دفعًا لشرهم إلى أن أمكن الله منهم؛ لأنه لم توضع جزية قط على اليهود المجاورين من قريظة والنضير». واختار ابن الهمام نقض عهد الذمي الساب وقتله. واعترض على ذلك ابن نجيم بقوله: «وقع لابن الهمام بحث هنا خالف فيه أهل المذهب، وقد أفاد العلامة قاسم في فتاويه: أنه لا يعمل بأبحاث شيخه ابن الهمام المخالفة للمذهب. نعم نفس المؤمن تميل إلى قول المخالف في مسألة السب لكن اتباعنا للمذهب واجب» كذا قال ابن نجيم ، وقال الخير الرملي : «إنَّ ما بحثه في النقض مسلم مخالفته للمذهب وأما ما بحثه في القتل فلا». وبالجملة فمسألة قتل ساب النبي وانتقاض عهده لا تلازم بينهما، فمن الحنفيَّة من يقول: يقتل الساب ولا ينتقض عهده، والفرق بين القتل مع نقض عهده ومجرد القتل يظهر في ماله، فمن يرى أن عهده ينتقض يجعل ماله فيئًا للمسلمين، ومن يرى أنه يقتل من غير أن ينتقض عهده يجعل ماله لورثته من أهل دينه. انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٥/ ١٢٥)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٤/ ٢١٥).
(٢) أخرجه البخاري في (كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده) (٤/ ١٢١) رقم (٣٢٦٨)، ومسلم في (٧/ ١٤) رقم (٢١٨٩) (كتاب السلام، باب السحر).
(٣) انظر: التجريد للقدوري (١٢/ ٦٢٦٥).

<<  <   >  >>