للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثالث: انتقاض العهد بسب نبي من الأنبياء مطلقًا، وهو مذهب المالكيَّة والحنابلة (١).

وعليه فأوسع المذاهب في هذه المسألة من قال بأن سب الأنبياء لا ينتقض به عهد الذمي مطلقًا، وهم الحنفيَّة، وقد استدلوا على هذه المسألة بأدلة، منها:

الدليل الأول: عن أم المؤمنين عائشة قالت: «دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ : فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ» متفق عليه (٢).

ووجه الدلالة: أنَّ قول اليهود: (السام عليك) يريدون به: الموت عليك (٣)، وهذا فيه ذكر للنبي بسوء، ومع ذلك فإنَّ النبي لم ينقض عهدهم بذلك (٤). قال ابن الهمام : «لا شك أنَّ هذا سب منهم له ، ولو كان نقضًا للعهد لقتلهم؛


(١) انظر: الشامل في فقه الإمام مالك (١/ ٣١٦)، تحبير المختصر على مختصر خليل (٢/ ٥١٤)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٢/ ٢٠٥)، المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (٢/ ١٨٨)، الفروع وتصحيح الفروع (١٠/ ٣٥٢)، كشَّاف القناع (٣/ ١٤٣).
(٢) أخرجه البخاري في مواضع منها في (كتاب الاستئذان، باب كيف يرد على أهل الذمة السلام) (٨/ ٥٧) رقم (٦٢٥٦)، ومسلم في (٧/ ٤) رقم (٢١٦٥) (كتاب السلام، باب النهي عَنِ ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم). والمراد بقوله: (مطبوب) أي: مسحور. كنوا بالطب عَن السحر تفاؤلا كَمَا سموا اللديغ سليما. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم (ص: ٥٤١)، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (١/ ٣١٧).
(٣) انظر: أعلام الحديث (٣/ ٢١٧٦)، تفسير الموطأ للقنازعي (٢/ ٧٦٩)، فتح الباري لابن حجر (١١/ ٤٢).
(٤) انظر: التجريد للقدوري (١٢/ ٦٢٦٥)، اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (٢/ ٧٦٥).

<<  <   >  >>