فالحنفيَّة يرون أنَّ أصل الطواف جاء مطلقًا في القرآن، ولم يرد في ذلك الطهارة من الحدث، أو الطهارة من الخبث، أو كونه سبعًا، أو كونه من وراء الحِجْر، أو أن ابتداءه من الحَجَر الأسود، أو غير ذلك مما جرى الخلاف في شرطيَّته، فاقتضى إطلاق القرآن إجزاء الطواف بمجرد الدوران ولو تخلَّف فيه ما تقدم، وأمَّا ما جاء في السنة من اشتراط ذلك فإن هذا من الزيادة على النصِّ، والزيادة على النص نسخ، والقرآن لا يُنْسَخ بخبر الآحاد (١). فلزم من ذلك أن يجعل ما ورد في القرآن من قبيل الفروض، وأن يجعل ما ورد في السنة من قبيل الواجبات أو المستحبات.
وأمَّا الجمهور: فإنهم يرون أنَّ السنَّة مبيِّنة لمجمل القرآن، فإذا قيَّدت المطلق كان حكمها حكم ما قيَّدت، وهذا هو الحال في باب الطواف.
وقد قرَّر هذا المعنى جملة من فقهاء المذاهب:
فمن الحنفيَّة: يظهر هذا المعنى جليًّا عند الكاساني ﵀ وذلك أنَّه قال مستدلًّا على عدم فرضية الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر: «لنا قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] أمر بالطواف مطلقًا عن شرط الطهارة، ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد فيحمل على التشبيه»(٢)، واستدلَّ بالآية على عدم فرضية ستر العورة في الطواف بالآية، وقال:«أمر بالطواف مطلقًا عن شرط الستر فيجرى على إطلاقه»(٣)، وقال في مسألة ثالثة: «الموالاة في الطواف ليست
(١) الزيادة على النص نسخ عند الحنفيَّة، وخالف في ذلك الجمهور، وأمَّا كون القرآن لا ينسخ بخبر الآحاد فهذا عليه عامة العلماء، وقد تقدم ذكر المسألتين في باب أركان الصلاة. هذا وقد نبَّه أبو حامد الغزالي ﵀ إلى هاتين المسألتين في حكم الطهارة للطواف، وأطال البحث فيهما. انظر: تحصين المآخذ (٢/ ٢٠٧). (٢) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٢٩). (٣) المصدر السابق.