القول الثاني: الاستحباب، وهو مذهب الشافعيَّة والحنابلة (١).
ويظهر في هذا الفرع أنَّ الحنفيَّة أضيق مذهبًا من الشافعيَّة والحنابلة؛ وذلك لأنَّ الحنفيَّة قالوا بالوجوب، على حين قال الشافعيَّة والحنابلة بالاستحباب، وقول الحنفيَّة بالوجوب يعود إلى أمور:
الأمر الأول: قول الله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: ١٢٥].
ووجه الدلالة في الآية: أنه قد قيل في تفسير الآية بأنَّ المراد فيها: ركعتا الطواف، ولمَّا كانت الآية أمْرًا اقتضى ذلك الوجوب لا الاستحباب (٢).
الأمر الثاني: حديث جابر ﵁ الطويل في صفة الحج، وفيه: «حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ ﵇،
(١) انظر: نهاية المطلب في دراية المذهب (٤/ ٢٩٤)، كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص: ٢١٩)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (٤/ ٩٢)، التعليقة الكبيرة في مسائل الخلاف على مذهب أحمد (٢/ ٣٥)، الشرح الكبير على المقنع (٩/ ١٢٠)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (٣/ ٢٠٣)، شرح منتهى الإرادات (١/ ٥٧٤). (٢) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٤٨)، الاختيار لتعليل المختار (١/ ١٤٨)، البناية شرح الهداية (٤/ ٢٠٠). فإن قيل لماذا لم تكن فرضًا لكون القرآن قطعيًّا؟ فالجواب على مقتضى مذهب الحنفيَّة يكون من وجهين: الأول: أن آية الحج: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ جاءت مطلقة، وهي صريحة في حصول الإجزاء بالطواف من دون الركعتين. والوجه الثاني: أنَّ تفسير الآية بالركعتين ليس مقطوعًا به، ولهذا الاختلاف ضَعُف الاستدلال بالآية على فرضية الركعتين، والله أعلم.