للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• بل قال الحنفيَّة: الترتيب في الطواف ليس بشرط (١).

ثم عند إمعان النظر إلى المذاهب الثلاثة يظهر -والله أعلم- أنَّ بينها تقاربًا شديدًا من حيث السعة والضيق في الباب، غير أنه يمكن القول: إن مذهب الشافعيَّة يأتي في السعة بعد مذهب الحنفيَّة، وأما المالكيَّة والحنابلة فهم أضيق المذاهب في الباب، وهذا الترتيب مستفاد في جملته مما جرى ذكره من المسائل، ومما سيأتي بيانه في المستثنيات أيضًا.

وأشير هنا إلى مسائل تبين ضيق الحنابلة في الباب، وذلك:

• أنَّ الحنابلة قالوا: يجب في الطواف تعيين النيّة، ولا يكفي مجرد النية (٢)، وقال الجمهور: يكفي مطلق النية (٣).


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (٤/ ٤٦). بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٣٢). وثمرة القول بأنَّ الترتيب ليس بشرط تظهر فيمن طاف من داخل الحجر فإن طوافه مجزئ عند الحنفيَّة لكن عليه دم إن لم يعده، فإن أعاده فالواجب عند الحنفيَّة أن يعيد المتروك فقط؛ لأنه هو المتروك لا غير. نعم الأفضل إعادة الطواف كاملًا لتحصيل الترتيب المسنون. وأما الجمهور فلا يتصور عندهم هذا لمنعهم أصلًا من الطواف داخل الحجر كما تقدَّم.
(٢) انظر: المبدع في شرح المقنع (٣/ ٢٢٥)، شرح منتهى الإرادات (١/ ٥٨٨). ونصَّ الحنابلة على انفرادهم بهذه المسألة. انظر: المنح الشافيات بشرح مفردات الإمام أحمد (١/ ٣٦١). وثمرة المسألة تظهر فيمن نوى بطواف الإفاضة مطلق الطواف، أو نوى به طوافًا واجبًا -كالوداع- أو مستحبًّا -كالقدوم-، ويتصور هذا كثيرًا في الحاج يؤخر طواف الإفاضة إلى حين خروجه، ثم يطوف بالبيت وينوي طواف الوداع، فإنه لا يجزيه عند الحنابلة. انظر بخصوص هذه المسألة: الكافي في فقه الإمام أحمد (١/ ٥٣٠)، الشرح الكبير على المقنع (٧/ ٣٩٨).
(٣) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٢٨)، النهر الفائق شرح كنز الدقائق (٢/ ٩٠)، الكافي في فقه أهل المدينة (١/ ٣٦٢)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (٣/ ٨٨)، بحر المذهب للروياني (٣/ ٥٣٣)، المجموع شرح المهذب (٨/ ١٦).

<<  <   >  >>