من خلال النظر في أدلة آحاد المسائل في كتب الحنفيَّة والجمهور ظهر للباحث -والله أعلم- أنَّ اختلاف الحنفيَّة مع الجمهور في الباب، وما نتج عن ذلك من سعة يمكن ردُّه إلى سببين:
الأول: أنَّ زكاة الفطر عند الحنفيَّة في حكم زكاة الأموال، على حين هي عند الجمهور زكاتان متغايرتان، وزكاة الفطر آكد من زكاة الأموال؛ ولذا فالحنفيَّة يشترطون النصاب في وجوب زكاة الفطر ويقولون بأنها من جملة الزكاة، ولهذا السبب أيضًا قال الحنفيَّة بعدم وجوب زكاة الفطر على من عليه دين؛ لأنَّ من عليه دين لا تجب عليه الزكاة في الأموال، فلا تجب زكاة الفطر أيضًا، وكذلك يجوز عند الحنفيَّة إخراج القيمة وتقديم زكاة الفطر مطلقًا؛ لجواز ذلك في زكاة المال عندهم، ولهذا السبب أيضًا قال الحنفيَّة بعدم وجوب زكاة الفطر في عبيد التجارة، ووجهه: أنَّ زكاة الفطر لو قيل بوجوبها في عبيد التجارة أدَّى ذلك إلى اجتماع زكاتين - هما: زكاة الفطر وزكاة العروض - في محل واحد، وهذا من الثنى في الصدقة، ونازع في جميع ما تقدم الجمهور؛ لأن زكاة الفطر تغاير زكاة المال (١).
بل إن الحنفيَّة توسَّعوا في مسائل في زكاة الفطر أكثر من توسعهم في زكاة الأموال؛ كمسألتي إعطاء أهل الذمة، وتأخير الزكاة، فإن المذهب عند الحنفيَّة جواز ذلك في زكاة الفطر ومنعه في زكاة الأموال (٢).
(١) تقدم توثيق هذه المسائل في المطلب الثاني من هذا المبحث. (٢) أما مسألة إعطاء الذمي في زكاة الفطر فقد تقدم في المسائل الشواهد، وأما منعها في زكاة الأموال فانظر: الهداية في شرح بداية المبتدي (١/ ١١١)، البناية شرح الهداية (٣/ ٤٦٢)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٢/ ٣٥١). وأما تأخير زكاة الفطر فقد تقدم في المسائل الشواهد، وأما تأخيرها في الأموال فالذي عليه الفتوى عند الحنفيَّة عدم جواز ذلك، قال الحصكفي في الدر المختار (ص: ١٢٨): «(وافتراضها عمري) أي: على التراخي، وصحَّحه الباقاني وغيره (وقيل: فوري) أي واجب على الفور (وعليه الفتوى) كما في شرح الوهبانية (فيأثم بتأخيرها) بلا عذر» وانظر أيضًا: فتح القدير (٢/ ١٥٦)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (١/ ١٧٤)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٢/ ٢٧١).