للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الرابع: وجوب الزكاة فيما يكال ويدخر، وهو مذهب الحنابلة (١).

ويظهر جليًّا أنَّ أضيق المذاهب في المسألة الحنفيَّة؛ وذلك أنهم أوجبوا الزكاة في كل خارج من الأرض، فأوجبوا الزكاة في الفواكه كالتين والرمان والتوت، وأوجبوها أيضًا في الخضراوات، وبالجملة: فكل خارج تستغل به الأرض فإن الزكاة واجبة فيه عند الحنفيَّة، وقد استدلوا على مذهبهم بأدلة، منها:

الدليل الأول: قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ٢٦٧]، وقوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١].

ووجه الدلالة من الآيتين: العموم فيهما؛ وذلك أنَّ العموم «يوجب الحق في كل خارج إلا ما قام دليله» (٢). بل قال الكاساني عن قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾، «أحقُّ ما تتناوله هذه الآية الخضراوات؛ لأنها هي المخرجة من الأرض حقيقة» (٣)، وقال عن قوله: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾: «أحقُّ ما يحمل الحق عليه الخضراوات؛ لأنها هي التي يجب إيتاء الحق منها يوم القطع، وأما الحبوب فيتأخر الإيتاء فيها إلى وقت التنقية» (٤).

الدليل الثاني: أن سبب وجوب زكاة النبات والزرع هو الأرض النامية (٥)، «والنماء بالخضر أبلغ؛ لأن ريعها أوفر» (٦).


(١) انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (١/ ٣٩٧)، الفروع وتصحيح الفروع (٤/ ٧٠)، شرح منتهى الإرادات (١/ ٤١٣). وأنبه إلى أن الحنابلة قالوا: جميع الحبوب تكال وتدخر، ولذا أوجبوا الزكاة فيها مطلقا.
(٢) انظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص (٢/ ٢٨٨).
(٣) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ٥٩).
(٤) المصدر نفسه.
(٥) انظر: المبسوط للسرخسي (٣/ ٢).
(٦) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ٥٩).

<<  <   >  >>