للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول الكمال ابن الهمام في جواز إخراج القيمة: «المقصود إغناء الفقير وبه تحصل القربة» (١).

بل إن الحنفيَّة رأوا أن إخراج القيم في بعض الأزمنة أفضل من إخراج الأعيان، ووجه ذلك: أن القيمة أسرع لقضاء حاجة الفقير (٢)، يقول الزيلعي في كلامه على زكاة الفطر: «الدراهم أولى من الدقيق؛ لأنه أدفع لحاجة الفقير وأعجل به» (٣). وبهذا يعلم شدة تمسُّك الحنفيَّة بهذا الأصل، ويتضح أن القصد من الزكاة وسائر الواجبات المالية عندهم هو حصول الإغناء للفقير بأي وجه كان.

وتقدم أنَّ الحنفيَّة استثنوا العتق وكذا الهدايا والأضاحي فقالوا: لا يجوز دفع القيم فيها، وهذا الاستثناء إنما جاء على التحقيق طردًا لهذا السبب؛ وذلك أنَّ الهدي فيه معنى التعبد، وأما العتق فدفع القيمة لا يحصِّل المقصود من إيصال المال إلى المحتاج؛ فمنع في كلتا الحالتين إخراج القيمة.

يقول المرغيناني مبيِّنًا الفرق بين الهدي والزكاة: «القربة فيها إراقة الدم، وهو لا يعقل، ووجه القربة في المتنازع فيه سد خلة المحتاج وهو معقول» (٤) يريد بالمتنازع عليه: الزكاة. ويقول العيني «إراقة الدم غير معقولة ولا متقوَّمة، فالمستحَقُّ إراقة الدم، حتى لو هلك بعد الذبح قبل التصدق به لا يلزمه شيء» (٥).

وكذلك الأمر في العتق فإنه لم تجز القيمة فيه؛ لأنه لا يُتَقَوَّم (٦)، وكذا فـ «العتق إتلاف الرق على ملك المعتق، وليس هناك شيء يصل إلى العبد حتى تقوم القيمة إذا دفعت إليه مقامه، ولأن القيمة لا تخلو إما أن تدفع إلى العبد أو إلى الفقراء؛


(١) فتح القدير (٢/ ١٩١).
(٢) انظر: مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: ٢٧٣).
(٣) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (١/ ٣١٠).
(٤) الهداية في شرح بداية المبتدي (١/ ١٠٠).
(٥) البناية شرح الهداية (٣/ ٣٥٠).
(٦) انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق (٢/ ٢٣٨).

<<  <   >  >>