وعلى ذلك فأوسع المذاهب في هذه المسألة من قال بأنَّه لا يحدُّ، وهم الحنفيَّة كذلك، وقد استدلوا على هذه المسألة بأدلة، منها:
الدليل الأول: عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه «أُتِيَ بِامْرَأَةٍ لَقِيهَا رَاعٍ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَهِيَ عَطْشَى، فَاسْتَسْقَتْهُ، فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إِلَّا أَنْ تَتْرُكَهُ فَيَقَعَ بِهَا، فَنَاشَدَتْهُ بِاللهِ فَأَبَى، فَلَمَّا بَلَغَتْ جَهْدَهَا أَمْكَنَتْهُ، فَدَرَأَ عَنْهَا عُمَرُ الْحَدَّ بِالضَّرُورَةِ» أخرجه عبد الرزاق (١).
وفي لفظ رواه أبو الطفيل ﵁ قال: «أَنَّ امْرَأَةً أَصَابَهَا جُوعٌ، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَسَأَلَتْهُ الطَّعَامَ، فَأَبَى عَلَيْهَا حَتَّى تُعْطِيَهُ نَفْسَهَا، قَالَتْ: فَحَثَا لِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ تَمْرٍ، وَذَكَرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ جُهِدَتْ مِنَ الْجُوعِ، فَأَخْبَرَتْ عُمَرَ فَكَبَّرَ، وَقَالَ:(مَهْرٌ مَهْرٌ مَهْرٌ، كُلُّ حَفْنَةٍ مَهْرٌ). وَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ» أخرجه عبد الرزاق (٢).
ووجه الدلالة: أن عمر ﵁ إنَّما درأ عن المرأة الحد لا لأجل الضرورة، وإنما لأجل ما أعطاها من المال، ولذا سماه عمر مهرًا، والمهر يكون في باب النكاح، فصارت تلك شبهة يدرأ بها الحد (٣).
(١) أخرجه عبد الرزاق في (كتاب الطلاق، باب الحد في الضرورة) (٧/ ٤٠٦) رقم (١٣٦٥٤). وهو من رواية سعيد ابن المسيب عن عمر، وقد تقدَّم الكلام على هذا الإسناد. (٢) أخرجه عبد الرزاق في (كتاب الطلاق، باب الحد في الضرورة) (٧/ ٤٠٦) رقم (١٣٦٥٣). وظاهر صنيع ابن حزم تصحيح الأثر. انظر: المحلى بالآثار (١٢/ ١٩٦). (٣) انظر: المبسوط للسرخسي (٩/ ٥٨)، إيثار الإنصاف في آثار الخلاف (ص: ٢١٢). وفي هذا يقول ابن حزم ﵀ في المحلى (١٢/ ١٩٦):» خبر أبي الطفيل ليس فيه أن عمر عذرها بالضرورة، بل فيه: أنه درأ الحد من أجل التمر الذي أعطاها وجعله عمر مهرًا».