القول الثاني: شرطيَّة الطواف من وراء الحجر، فإن طاف وجعل طريقه من بطن الحجر فإن طوافه باطل، وهو مذهب الجمهور (٢).
وعليه فأوسع المذاهب في هذه المسألة من قال بالصحة مع الجابر، وهم الحنفيَّة، وقد استدلوا على صحة الطواف داخل الحجر بأدلة، منها:
الدليل الأول: أن من طاف من داخل الحجر فإنما ترك من الطواف ربعه، وجاء بمعظم الطواف وهو الركن، ثم الدم يقوم مقام أقل الطواف (٣)، فإذا جُبر نقصان أشواط ثلاثة -وهي أكثر من الربع-بالدم، جبر نقصان الربع بالدم كذلك.
الدليل الثاني: أنَّ الحِجْر مكان لا يقطع بكونه من البيت، فالطواف عليه ليس بفرض (٤)؛ لأنَّه قد تقرر أنَّ «الفرض ما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به، والواجب ما ثبت وجوبه بدليل غير مقطوع به»(٥).
(١) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٣١)، العناية شرح الهداية (٣/ ٥٦)، الدر المختار وحاشية ابن عابدين (٢/ ٤٧٠، ٤٩٥). (٢) انظر: الكافي في فقه أهل المدينة (١/ ٣٦٧)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (٣/ ٧٢)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٢/ ٣١)، الأم للشافعي (٢/ ١٩٣)، المجموع شرح المهذب (٨/ ٢٥)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (٢/ ٢٤٥)، التعليقة الكبيرة في مسائل الخلاف على مذهب أحمد (٢/ ٢٣)، الكافي في فقه الإمام أحمد (١/ ٥١٣)، منتهى الإرادات (٢/ ١٤٩). (٣) انظر: التجريد للقدوري (٤/ ١٨٥٩)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٣٢). (٤) انظر: التجريد للقدوري (٤/ ١٨٦٠). (٥) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٢/ ١٤٨). وهذا الكلام مترتب على مسألة أصوليَّة، وهي هل بين الفرض والواجب اختلاف أم هما مترادفان؟ فالحنفيَّة -وهي رواية عن أحمد- قالوا بالتفريق، فالفرض ثابت بدليل مقطوع به، والواجب ثابت بدليل غير مقطوع به. وأما الجمهور: فلا يفرقون بين الواجب والفرض. وهي من المسائل الأصولية المهمة؛ ولذا أفرد ابن اللحام في قواعده (ص: ٩٤) القاعدة العاشرة للكلام على هذه المسألة، وما ينبني عليها من مسائل. انظر: رسالة العكبري في أصول الفقه (ص: ٢٤)، العدة في أصول الفقه (١/ ١٦٢)، اللمع في أصول الفقه للشيرازي (ص: ٢٣)، أصول السرخسي (١/ ١١٠)، شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي (٢/ ١٣٢)، البحر المحيط في أصول الفقه (١/ ٢٤٠)، التحبير شرح التحرير (٢/ ٨٣٥).